هو الأستاذ عيسى بن الأخضر، خريج جامعة الجزائر، صاحب دراسات عليا في الآداب وعلم الاجتماع، لديه تجربة مميزة في المجتمع المدني من خلال عضويته في العديد من الجمعيات داخل الجزائر وخارجها. عضو في بعض المنتديات الإقليمية والدولية، كشبكة الجمعيات الإنسانية العالمية، الاتحاد العالمي لمكافحة الفقر، والمنتدى الإنساني العالمي، يرأس شبكة الجمعيات الإنسانية في الجزائر راحة التي أسسها سنة 2009، وصاحب مركز الجزائر للدراسات وتنمية المجتمع الذي، أسس سنة 2011 رفقة مجموعة من المناضلين «جمعية جزائر الخير»، حول الدافع لإنشاء الجمعية، أهدافها، تحدياتها وطموحاتها، حاورت لكم «المساء» الأستاذ عيسى بن الأخضر في هذه الأسطر. المساء: بداية، حدثينا عن فكرة إنشاء الجمعية؟ الأستاذ عيسى بن الأخضر: جمعية جزائر الخير هي مشروع خيري إنساني راودني ومجموعة من الناشطين في الميدان الجمعوي منذ فترة، فبعد وقوفي عند تجربة العمل الجمعوي في الجزائر منذ انطلاقها سنة 1987، واطلاعي على ما شابها من الفراغات القانونية العفوية، واكبتها تجربة تفتقر للخبرة والاحترافية لدى الكثير من الناشطين في المجال، مما جعلني أفكر في تسطير رؤية جديدة نحو العمل الجمعوي عموما، والعمل الخيري والإنساني خصوصا، وعليه، بمجرد أن أعتمد قانون الجمعيات الجديد في جانفي 2012، بادرت مع مجموعة من الأصدقاء إلى تقديم ملف طلب اعتماد جمعية، اخترنا لها اسم «جمعية جزائر الخير»، ونقصد من وراء هذا الاسم إيصال رسالة مفادها أن العمل الخيري والإنساني ينبغي أن يمس كل الشرائح الجزائرية، عن طريق تقريبهم من أناس تغمرهم الرغبة في تجسيد القيم الجزائرية من تكافل، تراحم وتعاون إنساني. من أجل كل هذا، كان شعار هذه الجمعية «رؤية جديدة للعمل الخيري والإنساني»، لتكون ثاني جمعية تعتمد وفق القانون الجديد.
ما هي الصعوبات التي واجهتكم كجمعية وطنية لتحقيق برنامجكم؟ العمل الخيري لابد أن يتبناه شخص متفائل، مصرّ على العطاء ومحب للعمل التطوعي، لذلك فالتحديات التي واجهتنا عديدة، قد تقلل من حجم الإنجاز، لكنها لا تعيقه نهائيا مادام وراء العمل الخيري أناس يؤمنون بالرسالة الإنسانية والإحسان للآخر. وعموما، من جملة التحديات التي واجهتنا، تحديات ذاتية وأخرى موضوعية، أما التحديات الذاتية فتتمثل في حداثة التجربة الجمعوية في الجزائر، وهو ما يفسر قلة الخبرة لدى الفاعلين في الميدان، ومن جهة أخرى، المقبلون على العمل الخيري يعتمدون على المناسبات، وبعدها يجدون صعوبة في المواصلة، نظرا لقلة المتطوعين والمحسنين الدائمين، ناهيك عن أن ثقافة التطوع لازالت تحتاج للكثير من التوجيه والتكوين. أما فيما يخص التحديات الموضوعية، فتتمثل أساسا في صعوبة التعامل مع الإجراءات الإدارية التي لازالت غير مشجعة للعمل الخيري والتطوعي، مثل قضية إلزامية الحصول على الترخيص بجمع التبرعات، أو الحصول على المرافق العامة التي تعتبر أكثر من بسيطة في بعض المجتمعات، بينما نجد الناشط في المجال الخيري في بلادنا من أجل تنظيم مبادرة للأطفال، مثلا، أو للأسر في مناسبة معينة يحتاج إلى أشهر من التنقل بين الإدارات، البحث عن الوساطة وكراء القاعات، إلى جانب تحديات الثقافة الإدارية التي لازالت تنظر إلى العمل الخيري والإنساني كمنافس أو مناقض لعمل مؤسسات الدولة. ومن جملة الصعوبات أيضا، أذكر افتقارنا لمجلس أعلى أو هيئة تنسيقية تزود المجتمع المدني عموما، والجمعيات الخيرية والإنسانية بالتكوين، التخطيط ودراسات حول الواقع الاجتماعي وغيرها، وهو ما نجده تقليدا معمولا به في الكثير من المجتمعات.
برأيك، ما هي الاقتراحات التي تراها ضرورية لتفعيل عمل المجتمع المدني؟ المقترحات التي أجدها ضرورية وتتطلب وضع خطة استعجالية في هذه المرحلة، تتمثل في ضرورة تسهيل الإجراءات للجمعيات التي تنشط في العمل الخيري، حتى تتمكن من تخفيف الأزمات الاجتماعية الموجودة التي ستظل ملازمة لتنامي المجتمع، إلى جانب تمكين الجمعيات من استغلال المرافق في النشاطات التي تعنى بالفئات الهشة والضعيفة؛ كالمعاقين، الأيتام والأميين، ناهيك عن تخفيف الإجراءات الضريبية على الجمعيات، فهي ليست شركات تجارية حتى تعامل بنفس الصيغة، مع ضرورة وضع معيار شفاف وواضح في إعطاء صفة النفع العام للجمعيات الخيرية والإنسانية، وهي الصفة التي لا تزال محتكرة على بعض الجمعيات التي ربما لا يسمع العديد من الناس عن أسمائها، إضافة إلى فتح فروع وتخصصات في الجامعات تخص قضايا الخدمة الاجتماعية، التطوع، التنمية الأسرية وغيرها.
حدثنا عن أهم النشاطات التي قمتم بها منذ تأسيس الجمعية؟ لم يمض على تأسيس جمعيتنا إلا ثمانية أشهر، ولكن بحمد الله قمنا بمبادرات هامة، منها إنشاء أقسام، لجان ومؤسسات داخلية تعنى بجملة من المشاريع التي نراها ذات أولوية، مثل قسم «نساء الخير» الذي قام منذ الشهر الأول للتأسيس بمبادرات إنسانية تخص الطفولة والأمومة والطفولة المسعفة والأسر، مع تقديم مساعدات للمسنين. وبمناسبة الذكرى الخمسين للثورة، قامت الجمعية بحملة تضامنية مع المواليد الجدد لهذه السنة، من خلال تقديم الهدايا لهم ولأمهاتهم، وترغيب الأولياء في إطلاق أسماء الشهداء على هؤلاء الأطفال حتى يرثوا الوفاء للشهداء وقيم الثورة المجيدة، وكانت لنا أيضا في رمضان الماضي أعمال خيرية كبيرة مست أكثر من ثلاثين ولاية، وحققت أرقاما قياسية على مستوى الجمعيات الخيرية والإنسانية في الجزائر، فعلى سبيل المثال، استطاعت الجمعية تقديم أكثر من ستة آلاف وجبة يوميا للفقراء والمساكين لكل من الولايات التالية: وهران، البيض، باتنة، برج بوعريريج والجلفة، كما نظمنا مسابقات ثقافية وتربوية، بالتنسيق مع الإذاعات المحلية في أكثر من اثنتي عشرة ولاية، على غرار بجايةووهران وغيرهما. كما برمجنا أيضا مسابقة «بلال لأحسن آذان»، شاركت فيه حوالي عشرون ولاية من أجل تطوير الأداء لصاحب الصوت، وهي مبادرة نسعى من ورائها إلى المساهمة في التوعية بضرورة الاهتمام بهذا الجانب الديني، كما نظمنا مسابقة «الأسرة المتميزة»، وهو مشروع سعينا من خلاله إلى معالجة المشاكل الأسرية، والأزمات المتفرعة بأسلوبين متكاملين؛ أولهما حل المشاكل بإصلاح ذات البين وتقديم المساعدة من جهة، مع تشجيع الأسر النموذجية من أجل الاقتداء بها، خاصة ونحن نعيش تحولا رهيبا في القيم الأسرية، وهو الأمر الذي دفعنا إلى تنظيم الملتقى الدولي الذي احتضنته مؤخرا ولاية بجاية وحمل عنوان «الأسرة بين المهام والتحديات»، إذ عرف مشاركة مختصين جزائريين مغاربة، وقد خرجنا منه بعدة توصيات، نتمنى أن يستفيد منها المجتمع، كما نظمنا أيضا معارض وندوات توعوية في المراكز الثقافية ودور الثقافة، بالتعاون مع مؤسسات تربوية، حيث لقيت نشاطاتنا استحسانا، وتجاوبا كبيرا. من جهة أخرى، وفي إطار تجسيد الرؤية الجديدة التي نسعى إلى تحقيقها، نظمنا لقائين تكوينيين؛ الأول عبارة عن مخيم صيفي وطني بولاية بومرداس، لمدة أسبوع، ناقشنا من خلاله رؤيتنا، رسالتنا ومشاريعنا الاجتماعية والتربوية، بينما كان الثاني عبارة عن دورة متخصصة في تطوير الأداء، نُظّم بالمركز الوطني للجمعية. كما بادرنا إلى تنشيط الساحة الثقافية بما نراه ضروريا للشباب، حيث عملت الجمعية على تنظيم مهرجانات للنشيد الديني والوطني، مهرجانات للأطفال، أمسيات شعرية وندوات ثقافية في كل من بشار، غليزان، عنابةوالجزائر العاصمة.
ما هي الشرائح التي تركزون عليها في عملكم الخيري؟ نركز بعملنا الخيري على أكثر شرائح المجتمع هشاشة، إذ نقدم لها المساعدة في صورتها المادية، أي «بتقديم المال»، أو المعنوية، أو التربوية والتكوينية، ونولي أهمية كبيرة لشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة التي قاربت الأربعة ملايين شخص، كما نحاول أن نساهم في التخفيف من الأمية، إذ بدأنا فعليا في عملية محو الأمية التي لا تزال تسيطر على أكثر من سبعة ملايين شخص. كما نستهدف بعض الظواهر التي برزت بشكل مخيف، وهي العنوسة، الطلاق المبكر، الأيتام، الأرامل وضحايا المخدرات، وبالمناسبة وفي هذا الإطار، برمجنا مشاريع تربوية بدأنا بالخطوات الأولى لتجسيدها، ويتعلق الأمر بالعمل مع المؤسسات التربوية والمتوسطات والثانويات بغية المساهمة في معالجة ظاهرة العنف المدرسي.
على ضوء نشاطاتكم المختلفة، فيما تتمثل أهم الأهداف التي تتطلعون إليها؟ نسعى لإنجاز مشاريع تقلل من مساحة الفقر، وتعزز من التكافل والتضامن، كما تحمي الأسرة من الإنحراف، إلى جانب تنمية ثقافة التطوع لدى الشباب بما ينعكس إيجابا على البيئة والمجتمع، ولعل من أبرز أهدافنا في هذه المرحلة، العمل على إنشاء المجمعات الخيرية في المدن الكبرى، والتي يمكن أن تحقق المساعدة الظرفية للمحتاجين وتحقق أبعاد التنمية المستدامة، من خلال التكوين، التدريب والتأهيل، إلى جانب الشروع في إعداد بعض الدراسات الاجتماعية الميدانية.
كلمة أخيرة؟ نحضّر في القريب العاجل لملتقى وطني حول القضايا الاجتماعية، كما برمجنا ثلاث دورات تكوينية متخصصة، وفي جعبتنا حملات تطوعية نباشرها عبر مختلف ولاياتنا تخص الطفولة والبيئة، ونتمنى أن تتكاثف جهود الجمعيات مع بعضها البعض لتكريس ثقافة التطوع وفعل الخير.