تحظى جولة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، التي شرع فيها منذ أمس إلى منطقة الشرق الأوسط باهتمام متزايد لما قد تفضي إليه من نتائج تسمح بإعادة بعث مفاوضات السلام المتعثرة منذ أكثر من عامين. ويعتقد الكثير من المتتبعين للتحركات الأمريكية في المنطقة العربية، أن كيري ربما سيعمل على تجسيد فكرة حلحة الوضع العام في المنطقة كما وعد بذلك الرئيس باراك أوباما بإحداثها، لتفادي وضع ينذر بفوضى كبيرة في ظل أحداث الربيع العربي الذي قد يقوض كل فرصة للتوصل إلى تسوية نهائية للصراع القائم في المنطقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويجهل ما إذا كان جون كيري يحمل في حقيبته هذه المرة مبادرة أو على الأقل مقترحات جديدة لنفخ الروح في جسد مسار سلام ميت، خاصة وأن الرئيس باراك أوباما خلال زيارته نهاية الشهر الماضي إلى إسرائيل ودولة فلسطين والأردن شدد التأكيد أنه لا يحمل أفكارا ولا مقترحات لعملية السلام. وفضل الرئيس الأمريكي بدلا عن ذلك، تأكيد ولاء بلاده لإسرائيل ووضعها بعظمتها وقوتها في خدمة الأمن الإسرائيلي الذي يعتمد على المقاربة العسكرية العدوانية في تعاطيها مع الفلسطينيين وكل دول المنطقة. ويبدو أن واشنطن أرادت هذه المرة تغيير زاوية تحركها في مساعيها لإحياء عملية السلام بمراهنتها على تركيا أكبر حليف لها في حلف الناتو، حيث كانت أول محطة في جولة كيري. وهي الفرضية التي تأكدت في أولى تصريحات هذا الأخير أمس، عندما طالب تركيا وإسرائيل بإعادة بعث علاقاتهما الثنائية بعد القطيعة التي طبعتها طيلة ثلاث سنوات، بسبب حادثة الاعتداء الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" ومقتل تسعة نشطاء أتراك عندما كانوا في طريقهم إلى ميناء غزة لرفع الحصار عن سكانها. وهو التوجه الذي جعل الرئيس الأمريكي خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، يطالب الوزير الأول بنيامين نتانياهو بتقديم اعتذار رسمي للسلطات التركية، ما لبثت هذه الأخيرة أن قبلته مما أوجد الأجواء المواتية لزيارة كيري الثانية إلى المنطقة. وتكون الإدارة الأمريكية قد أخذت بالاستعداد الذي أبداه الوزير الأول التركي طيب رجب اردوغان للعب دور الوسيط في قضايا الشرق الأوسط بما فيها العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين قاعدة لمنطق تحركها الجديد. وقال كيري مؤكدا هذا التحول، إن تركيا تبقى "مفتاح" الحل لعملية السلام المجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحكم علاقاتها المتميزة مع طرفي معادلة هذا المسار، ويكفي فقط عودة علاقة الود بين إسرائيل وتركيا إلى سابق عهدها حتى تعاد المفاوضات إلى سكتها. وينتظر فقط أن تعيد تركيا وإسرائيل سفرائهما إلى أنقرة وتل أبيب لتبدأ معها خطة التحرك الجديدة، وربما إعادة إحياء المفاوضات غير المباشرة التي رعتها تركيا مباشرة بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة بين إسرائيل والفلسطينيين وبين الإسرائيليين والسوريين، قبل أن تتوقف فجأة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية 2008 وبداية 2009.