دخل المخزن المغربي، منذ أمس، حالة استنفار هستيرية في محاولة يائسة للتأثير على الأممالمتحدة، التي يستعد أمينها العام ومبعوثه الخاص إلى الصحراء الغربية، لتقديم تقريريهما إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي بداية من يوم الإثنين القادم. فقد استشعر الملك محمد السادس هشاشة المقاربة الاستعمارية التي دافع عنها أمام كريستوفر روس، وراح يدعو أعضاء حكومته إلى اجتماع طارئ لتبنّي استراتيجية لرفض ما وصفته الرباط بمحاولات إخراج مهمة بعثة الأممالمتحدة عن "حقيقة مهمتها"، و«التنديد بمحاولة توظيف" حقوق الإنسان في الصحراء الغربيةالمحتلة. واستنفر الملك محمد السادس الذي تفادى لقاء كريستوفر روس بمناسبة جولته الأخيرة إلى المنطقة؛ بدعوى القيام بجولة إلى عدد من الدول الإفريقية، وزراء حكومته وقيادات مختلف الأحزاب من أجل شن حملة جديدة ضد الأممالمتحدة والمبعوث الخاص وبكل تأكيد الجزائر، التي سيحمّلها أيضا تبعات فشل سياسة الضم التي يصر على مواصلتها في الصحراء الغربية رغم انهيار مقولة: "مغربية الصحراء الغربية". وكعادته، راح الملك الشاب يروّج في جلسة الشحن التي خصّصها لمختلف الأحزاب والحكومة على فكرة الإجماع الوطني لرفض هذه المبادرات. ويتأكد من خلال هذه التحركات التي لم يحدد بيان القصر الملكي طبيعتها، أن المخزن لا يريد تسمية الأشياء بمسمياتها والاعتراف بأن ما اقترفته أجهزته الأمنية من تجاوزات ضد المواطنين الصحراويين، ها هو الآن يجني ثمارها، والإقرار أيضا بأن فكرة الحكم الذاتي التي روّج لها منذ 2007 لم تعد تُقنع أحدا إلا الرباط وباريس. ولا يُستبعد أن تمهّد هذه الحملة المغربية الجديدة لسحب الرباط ثقتها من روس تماما، كما فعل الملك محمد السادس ذلك قبل عام، ولكنه أذعن لضغوط المجموعة الدولية وقبل عودته على مضض لأداء مهمته واستقباله في الرباط لمدة أربعة أيام كاملة. ولكن الشيء المحيّر في تفكير المسؤولين المغربيين أنهم يريدون أن يجعلوا الهيئات الدولية تتبنى مقارباتهم حتى في كتابة تقاريرهم، وهو ما أرادوه من روس، عندما طعن في الممارسات التضييقية الممارَسة على عمل موظفي بعثة الأممالمتحدة في الصحراء الغربية. وإذا كان ظاهر السخط المغربي مرده إلى ما سماه المخزن محاولة تشويه صورة المغرب، فإن الحقيقة غير ذلك تماما؛ كون "ثورة الغضب" التي طبعت موقف الملك محمد السادس تَسبب فيها تحرك الإدارة الأمريكية؛ من خلال رغبة ملحة لمطالبة الأممالمتحدة بالقيام بتحقيقات مكثفة حول انتهاك حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وأكدت مصادر دبلوماسية أمريكية على صلة بملف المفاوضات بين الرباط وجبهة البوليزرايو، أن واشنطن تستعد لتقديم مشروع لائحة قبل نهاية الشهر الجاري لأعضاء مجلس الأمن الدولي من أجل توسيع مهمة بعثة الأممالمتحدة في الصحراء الغربية، لتشمل من الآن فصاعدا حماية ومراقبة وضعية حقوق الإنسان في المدن المحتلة. وفي انتظار رفع الولاياتالمتحدة مشروع هذه اللائحة أمام أعضاء مجلس الأمن، فإن فرنسا ستجد نفسها في حرج كبير؛ على اعتبار أنها كانت ولازالت أكبر رافض لهذا المسعى إلى درجة أنها رفضت سنة 2006 نشر مضمون أول تقرير أممي، أشار إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية رغم إلحاح جبهة البوليزاريو على ذلك. وفي حال تمكنت الإدارة الأمريكية من تمرير هذا المشروع فإن حصنا من حصون الاستيطان المغربي في الصحراء الغربية سينهار، وسيجد الصحراويون مجال التعبير عن مطالبهم السلمية في كسر الهيمنة المغربية واسعا للقول، وبصوت عال، إننا سئمنا الاحتلال ونريد الحرية والانعتاق.