ترحم رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس، بقصر الشعب، على روح الفقيد علي كافي الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للدولة، الذي وافته المنية صباح أول أمس الثلاثاء بجنيف (سويسرا) عن عمر ناهز 85 سنة. حيث قرأ رئيس الجمهورية فاتحة الكتاب قبل أن يوقع على سجل التعازي، مشيدا بخصال الفقيد في خدمة الوطن خلال الثورة التحريرية وبعد الاستقلال. وأبى الرئيس بوتفليقة إلا أن يبرز في كلمته مآثر المجاهد علي كافي، مؤكدا أن الجزائر تودع في شخص الفقيد أحد أبطالها المغاوير، الذين أدوا لوطنهم ما عليهم أحسن أداء في الجهاد الأصغر ثم الأكبر. وأشار، إلى أن "فقيد الأمة هذا لم يبخل بالبذل والتضحية في سبيل انعتا قها وسؤددها، ومن ثمة، فإنه جدير بعرفانها وإكبارها لما قدمه بتفان وسخاء على غرار رفاقه من المجاهدين الأمجاد". مضيفا أن الأجيال ستذكر خير ما صنع في سبيل دحر الاستعمار الغاشم وتجسيد حلم شهدائنا الأبرار في بناء الدولة الجزائرية الحرة المستقلة. وأردف الرئيس بوتفليقة في هذا الصدد، ”غير أنه يبقى قضاء الله تعالى وقدره الذي لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وتلك سنته في عباده جيلا بعد جيل". قبل أن يخلص بالقول" وإذا احتسبه على الخالق جل جلاله أسأله سبحانه وتعالى أن يتغمد فقيدنا بواسع رحمته ويجزيه عنا وعن الجزائر بأجيالها السابقة واللاحقة خير جزاء، ويلهم أهله الكرام وإيانا والشعب الجزائري قاطبة الصبر والسلوان". وكان جثمان الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، قد وصل صباح أمس إلى قصر الشعب مسجى بالراية الوطنية، حيث كان يحمله ضباط من الجيش الوطني الشعبي لإلقاء النظرة الأخيرة عليه. وتمكن أعضاء الأسلاك النظامية والشخصيات السياسية والمواطنون من الترحم وإلقاء النظرة الأخيرة على هذه الشخصية السياسية وإطار جيش التحرير الوطني بالولاية التاريخية الثانية التي كان قائدها برتبة عقيد، قبل أن يوارى جثمانه الثرى بمقبرة العالية بمربع الشهداء بعد الظهيرة. وقد ساد جو مهيب داخل قاعة القصر التي استقبلت جثمان الفقيد رفقة زوجته وأفراد من عائلته ورفقاء الكفاح، الذين بدا عليهم التأثر الكبير على إثر هذا المصاب الجلل، في وقت كانوا يتلقون فيه التعازي من كبار مسؤولي الدولة والشخصيات الوطنية، في وقت عادت بنا الذاكرة إلى جنازتي الرئيسين الراحلين أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد منذ أشهر، حيث حرص الفقيد علي كافي على تقديم التعازي في نفس المكان لعائلتي الرئيسين. وكان الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال من الشخصيات الأولى التي وصلت قصر الشعب لإلقاء النظرة الأخيرة على الفقيد وقراءة فاتحة الكتاب على روحه، قبل أن يتوافد أعضاء من الطاقم الحكومي على القاعة، كما هو الشأن لوزير المجاهدين، السيد محمد الشريف عباس ووزير التجارة مصطفى بن بادة ووزيرة الثقافة خليدة تومي. وإذ بدت القاعة منذ الوهلة الأولى خالية من الصحافيين والمصورين في الساعات الأولى من الصباح، إلا أنه سرعان ما اكتشفنا حضورهم المكثف في فناء القصر وكأنهم خلية نحل كل واحد يسعى لرصد تصريحات الشخصيات الحاضرة بمجرد خروجها من القاعة بعد ترحمها على روح الفقيد. ورغم محاولات بعض الشخصيات التهرب من التصريحات الإعلامية باعتبار أن هذه المناسبة الأليمة لا تسمح بالاسترسال في الحديث، إلا أن إلحاح الإعلاميين حال دون مغادرة هؤلاء قبل أن يعبروا عن مشاعر الفراق الأليمة، والإجماع على أن رحيل المجاهد علي كافي خسارة للجزائر كلها. وأكثر ما استأثر اهتمام الصحافيين هي تلك الشخصيات النضالية التي تقاسمت مع الراحل علي كافي مسيرة النضال والكفاح، حيث لم تتمالك نفسها وهي تسرد مواقفه الإنسانية مع الأقرباء والرفقاء، مجمعة على تحلّيه بالخصال الوطنية والثوابت التي ناضل من أجلها خلال الثورة التحريرية المظفرة وحتى بعد الاستقلال عندما قبل تحمل المسؤولية الثقيلة خلال سنوات العشرية. وهو ما أكده نجله بلقاسم وشقيقه محمد مرتضى اللذان أجهشا بالبكاء عندما طلبنا منهما استذكار بعض مواقف فقيد العائلة، حيث أشارا إلى أن المجاهد كافي كان يقدس الجزائر كثيرا وأن مبادئه بقيت نفسها حتى بعد استقلال الجزائر، وأنّ همه الوحيد هو أن يحمل الشباب المشعل من أجل ضمان مستقبل أفضل. وعاد الابن بلقاسم إلى الحديث عن مرض والده الذي ألزمه الفراش. مشيرا إلى أنه رفض في البداية السفر للعلاج في الخارج غير أن الأطباء أجبروه على ذلك، فكان أن رضخ للأمر الواقع في النهاية، في حين توقف شقيقه عند الخصال التي كان يتمتع بها فقيد الأمة والتي لخصها في الشجاعة والأخلاق والصبر والطيبة. أما رفيقة كفاحه معماش كلثوم المدعوة زهية، فلم تتمالك دموعها عندما طلبنا منها الحديث عن شخصية الراحل، وعادت بنا إلى مرحلة الثورة عندما كانت تعمل كممرضة في صفوف جيش التحرير الوطني، مبرزة الأخلاق الطيبة التي كان يتمتع بها، إلى جانب رفقه بالنساء من خلال معاملته الطيبة لهن، مشيرة إلى أنه كثيرا ما يقدم لهن الهدايا كتشجيع لهن. وبدت محدثتنا جد متأثرة بخبر وفاة الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، لدرجة جعلتها تأتي من ولاية قسنطينة خصيصا لحضور جنازة الراحل، علما أنها تركت ابنتها في المستشفى التي خضعت لعملية جراحية، أول أمس. يذكر، أنه إثر وفاة الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، قرر رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، إعلان الحداد الوطني لمدة ثمانية (8) أيام عبر كامل أرجاء التراب الوطني ابتداء من يوم الثلاثاء.