تحل علينا اليوم الذكرى ال68 لمجازر 8 ماي 1945، في ظل ارتقاب الجزائريين لاعتراف صريح من فرنسا الرسمية بتلك المجازر الوحشية التي طالت الشعب الأعزل في العديد من المدن الجزائرية، على غرار سطيف، قالمة وخراطة، وكذا غيرها من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت أثناء طيلة الحقبة الاستعمارية، وكانت عدة فئات من المجتمع الجزائري قد نوهت بشجاعة الرئيس هولاند الذي اعترف ببشاعة مجازر المستعمر الفرنسي بالجزائر، واعتبرتها خطوة إيجابية في اتجاه تضميد جراح التاريخ المشترك للبلدين، غير أنها تبقى منقوصة وبحاجة إلى خطوات تكميلية، تبدأ بترسيم الاعتراف وتنتهي بالاعتذار والتعويض. فإعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال زيارته للجزائر في ديسمبر الماضي، اعترافه كرئيس للجمهورية الفرنسية، بأن الجزائريين عانوا خلال 132 سنة من الاحتلال الفرنسي من نظام جائر وعنيف ومدمر، يسمى ”الاستعمار”، شكل في رأي العديد من المحللين السياسيين خطوة جديدة في مسار العلاقات الجزائرية - الفرنسية، ووصفوها بالإيجابية، على اعتبار أنها اقترنت بدعوة مشتركة إلى بعث عهد جديد في العلاقات الثنائية بين الجزائروفرنسا والتي ظلت متعثرة بفعل الخلافات المرتبطة بالماضي التاريخي وقضايا الذاكرة. وفي حين، رأى أصحاب هذا التحليل في اعتراف هولاند ببشاعة جرائم الاستعمار وخاصة جرائم 8 ماي 1945، رسالة متفائلة تحمل تصريحا يقترب مما يتمناه الجزائريون في إطار مطلب اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، لا سيما لكون الرئيس فرانسوا هولاند الذي أبدى حسن نيته تجاه الجزائر والتاريخ بترسيم اعترافه بأحداث مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس، هو أول رئيس فرنسي يعلن صراحة عن هذا الاعتراف، مقارنة بكل سابقيه الذين لم تكن لهم الشجاعة الكافية للإعلان عن هذه الحقيقة التاريخية أو لم يريدوا ذلك، وكذا لكونه خصص حيزا كبيرا لخطابه أمام ممثلي الشعب في قصر الأمم للحديث عن التاريخ، والدعوة على الكشف عن الحقيقة وعدم الخجل من الإفصاح عنها، فإن العديد من الشرائح الاجتماعية رأت في خطاب الرئيس الفرنسي اعترافا ناقصا لا يرقى إلى تطلع الشعب الجزائري، باعتباره لم يأت مقرونا بالاعتذار والالتزام بتعويض كل ضحايا الجرائم الوحشية التي اقترفها المستعمر الفرنسي في حق الجزائريين الأبرياء، كما أنه لم يترجم بشكل رسمي في قرار أو قانون، مثلما فعله نواب اليمين في عهد الرئيس شيراك مع قانون ”تمجيد الاستعمار”. وبين من رأى في خطاب الرئيس الفرنسي خطوة إيجابية نحو تحقيق مطلب الاعتراف، ومن اعتبره خطابا سياسيا وظرفيا أملته التقاليد الدبلوماسية التي تحكم الزيارات الرسمية، برزت آراء من الضفتين داعمة للطرح الداعي إلى البداية بالبحث عن الحقيقة والإفصاح عنها وكتابة تاريخ كافة مراحل الحقبة الاستعمارية، حتى يتسنى بذلك إنصاف الذاكرة والتحرر من عقدة الماضي التاريخي المشترك بين البلدين، والتخلص من كل العثرات التي تعيق تطور العلاقات الجزائرية الفرنسية، وهي الدعوة التي سبق وأن وجهها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة للمؤرخين، وشاطره فيها الرئيس الفرنسي، الذي أكد تأييده لما جاء في رسالة الرئيس بوتفليقة في الذكرى الماضية لمجازر 8 ماي 1945، من دعوة إلى ”وضع قراءة موضوعية للتاريخ بعيدة عن العاطفة”. وترجم الرئيس الفرنسي تأييده لموقف الرئيس بوتفليقة، بدعوته من جهته المؤرخين من البلدين إلى استغلال كل الأرشيف المتاح لتسليط الضوء على الحقيقة التاريخية حول الماضي الاستعماري والذاكرة المشتركة بين البلدين، وهذا بعد أن اعترف بأن الجزائر خضعت لمدة 132 عاما لنظام استعماري غير عادل وعنيف ومدمر، مقرا بأنه ”لا شيء يمكن أن يبرر المجازر التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري وسعت إلى إنكار هويته وتطلعه للعيش بحرية”، وخص بالذكر في هذا الإطار مجازر سطيف، قالمة وخراطة في 8 ماي 1945، والتي أكد بأنها ستبقى راسخة في الذاكرة ”لأن فرنسا أضاعت في ذلك اليوم قيمها العالمية”. كما اعترف الرئيس الفرنسي، بأن معرفة الحقيقة حول الماضي والإفصاح عنها هو واجب لا مفر منه، معربا عن قناعته بأنه لا يمكن بناء أي شيء متين على أساس الكتمان والإنكار. وإذا صدقت نية المسؤول الفرنسي، فإنه من واجب فرنسا الرسمية تبنّي خطوات إيجابية أخرى باتجاه إطفاء نار الحقد والعداء التي لازالت ملتهبة في نفوس الأطراف الفرنسية التي ابتدعت قانون تمجيد الاستعمار، ومسح آلام الجزائريين من جراء الجرائم العنصرية التي اقترفها الاستعمار في حقهم وفي حق أبائهم وأجدادهم وممتلكاتهم، وتضميد جراح الماضي الاستعماري الذي لا يكفي الإقرار به بالكلام المناسباتي العابر، بل يستدعي الاعتراف به بشكل رسمي واتباعه بإجراءات ملموسة ترضي جميع الأطراف وتعبد طريق العهد الجديد الذي يتطلع إليه البلدان، في إطار دعم علاقات الصداقة والتعاون والشراكة الإستراتيجية التي تجمع بينهما.