تؤكد إحصائيات مصالح الأمن المروري أن ”إرهاب الطرقات” لم يتقهقر رغم ”الأسلحة الردعية والتوعوية”، فهلاك ثمانمائة شخص خلال ثلاثة أشهر مضت، يعد مؤشرا واضحا لخطورة الظاهرة التي لم تنفع معها الوصفات والعقاقير، وصارت بحق تشكل علامة استفهام كبرى لدى المحللين بالنظر إلى ارتفاع فاتورة الضحايا. وإذا سلمنا بأن ”العامل البشري” هو مربط الفرس ومكمن الخلل، رغم مساهمة الطرق المهترئة والمركبات القديمة وسوء الأحوال الجوية، فإنه يتحتم الاهتمام بالسائق الذي يعد رأس الحربة في معادلة المرور ومعرفة مختلف الجوانب التي تجعله في غير منأى عن التجاوزات الخطيرة والمميتة، وهنا يأتي دور المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع لمعرفة الدوافع الغالبة التي تصنع الموت بوسائل مخصصة للراحة وقضاء الحاجيات وتسهيل الحياة. ومادام الأمر يتعلق بتجاوزات بشرية فإنه يتعين إخضاع السائق مثلا لجملة من الفحوصات على غرار فحص المركبات، ويكون بذلك أمر ”المراقبة التقنية للسيارات” متوازيا مع ”المراقبة النفسية لسائقي المركبات”، من حيث تحديد مكامن الخلل ومواقع الزلل، وربما تبدو الفكرة غير جدية لكن منطق الأمور يجرنا إلى التأكيد بأن الدوران حول المحور لا يعني الوصول إلى المحور مهما استمرت العملية وتفنن المختصون في تفسيرها بشكل أو بآخر.