يمكن مقارنة آيت منڤلات بالشيخ إمام وفؤاد نجم وبراسنز وبريل ومارسيل خليفة ورونو وجان فيرا ومغنين آخرين، أبدعوا هوية قائمة على خصوصية وأصالة المقاربة الإنسانية ونوعية الأداة الفنية الموظَّفة لإيصال رسالة فكرية آمنوا بها طيلة حياتهم،آيت منڤلات الذي استطاع أن يجمع كل الفئات الاجتماعية في حفلاته، حكيمُ الأغنية الأمازيغية، كما تسميه الصحافة الوطنية، صاحبُ تفكير عميق وواسع، وشخصيةٌ فنية فريدة جامعة بين شعرية وفلسفية نصه الغنائي، وعاشقٌ للهوية الثقافية. ويكبر الحكيم في عيون محبّيه أكثر بسبب تواضعه الخرافي وكاريزمته وتفضيله العيش في أعالي قريته إيغيل بوعماس، مناجيا ومعانقا جبال جرجرة الشمّاء. وإذا كانت المدينة في نظر معظم الفنانين ضرورة عملية لا بد منها، فإن لونيس لم يتمكن من مغادرة بيت الحنين الأزلي الناطق بتراث لا ينضب، وبقي وفيا يعيش وسط الفلاحين في قريته الوديعة بعيدا عن ضوضاء وغبار المدينة الصاخبة وأضواء الصالونات المخملية والفنادق الفخمة. فضّل لونيس خاصية الشعر السهل الممتنع لتمرير رسالته الفنية. عن نفسه يقول لونيس إن اسمه الحقيقي عبد النبي، وُلد في السابع عشر من جانفي من عام 1950 بقرية إيغيل بوعماس التابعة لبلدية إيبودرارن الملحقة إداريا بدائرة بن يني. منڤلات الذي تناولته بالدراسة الباحثة الاجتماعية تسعديت ياسين في كتاب “أيت منڤلات يغني” الصادر عن دار لاديكوفرت والذي كتب مقدمته الروائي الشهير الراحل كاتب ياسين، يرفض كل الأوصاف التي تُطلق عليه كالشاعر والفيلسوف والمفكر رغم أن نصه الغنائي غني بالاستعارات والرمزية المتقدمة والكناية، الشيء الذي يترك الكثير من محبيه غير قادرين على فك طلاسم العديد من أغانيه العاطفية والاجتماعية والسياسية على السواء. وفي هذا الأمر قال أيقونة الأغنية الأمازيغية”: «أعتبر نفسي أقرب إلى الشعر من الموسيقى رغم أنني ملحّن أيضا، ويمثل النص الشعري الذي أغنّيه طفولتي التي قضيتها حول الكانون - مدفأة الجمر - وقصص الجدة وأحاسيسي ومحيطي القروي وثقافتي الشفهية الغنية لغويا وأدبيا، ومبادئ وكرامة وأنفة أبناء جلدتي وثلوج جبال القبائل، ولهذا أشعر بسعادة كبيرة لا توصف حينما أستعيد ذاكرتي وماضي شبابي ويوميات أناس عاديين تربوا على قيم الأصالة والإقدام والتحرر والاحترام والكرم، وعليه أُعتبر إنسانا عاديا لا أختلف في شيء عن الآخرين». مقاربة منڤلات القائمة على رسالة النص أساسا لا يراها متناقضة مع إيقاع راقص يثير أجساد الكثير من الشبان والشابات، ويرى أنه وسيلة تستهدف هذه الفئة التي يريد توعيتها بقضايا الهوية والانتماء والعدل والكرامة؛ «بث الوعي العام في الشباب مطلوب عند فنان ملتزم وظّف تراثه من أجل الحق والحرية، ويُسعدني كثيرا أن أرى شبابا يرقصون على أغنيات تفتح أذهانهم لاحقا”. يطالع، يكتب، يهتم بشؤون العائلة ويتابع تطورات الأغنية القبائلية: “كثير من الأسماء الجديدة وصلت خلال الفترة الأخيرة، فيها الجيد وفيها العكس، لكن إجمالاً، أعتقد أنني متفائل بمستقبل هذه الأغنية. الكمّ سيقودنا إلى تحقيق القفزة النوعية لاحقاً”. يقول ذلك في وقت صارت الأغنية القبائلية تتوجه أكثر فأكثر نحو الإيقاع الخفيف، مع أعمال تحمل توقيع أسماء شبابية تحظى بشعبية واسعة، أمثال محمد علاوة. يستذكر رفاق الدرب السابقين، ومنهم كاتب ياسين الذي قال عن رفيقه ذات يوم: “آيت منڤلات واحد من أهم الشعراء... إنّه الوحيد القادر على حشد الجموع، سواء كان يغني في الجزائر أو خارجها”. يقسّم المتخصصون في سيرة لونيس آيت منڤلات مسيرته إلى مرحلتين؛ المرحلة الرومانسية التي تمتدُّ من مطلع السبعينيات إلى نهاية الثمانينيات، وألّف خلالها أغانيَّ قصيرة ذات طابع عاطفي وإيقاع خفيف... ثم المرحلة الفلسفية السياسية المستمرة حتى اليوم، والمتميزة بأغانٍ طويلة، ملتزمة، وتحمل كمّاً من الرمزية، ذلك ما نلاحظه مثلاً في ألبومه الأخير “الورقة البيضاء” (2010).. حملت أغاني آيت منڤلات في السنوات الأخيرة دعوة إلى التأمل، ورسائل للعودة إلى الذات، إضافةً إلى مسحة من الحزن أكثر من التطلّع إلى الفرح والابتهاج، كما كانت عليه في سنوات ماضية. الصدفة وحدها هي التي قادت الفنان الشهير إلى عالم الغناء، يتذكر البدايات: “في حدود السابعة عشرة كتبت كلمات أغنية، رغبةً منّي في التنفيس عن حالة شخصية. وفجأة وجدت نفسي في الإذاعة ضمن برنامج مخصص للمواهب الشابة، من إعداد شيخ الأغنية القبائلية شريف خدام، الذي شجّعني ومنحني ثقة في النفس”. شكّل شريف خدام السند الأول والأهم الذي اعتمد عليه لونيس في البداية، مستفيداً في الوقت عينه من تنوع الثقافة الأمازيغية الشفوية.