ترتبط الأرض عُرفا بالشرف الذي يمثل الوطن والمرأة على السواء، ليصبح في واحدة من تفاصيل هذا التشابه وجها للإبداع، وشعار “أرضي ... حرية إبداعي” الذي اصطفته الدورة الرابعة لمهرجان إبداعات المرأة، يترجم العلاقة المقدسة بين الأرض، المرأة والإبداع التي يمكن أن تختزل في كلمتي الشرف والعزّة. مثال ذلك، المناضلة والمبدعة الراحلة عائشة حداد والفنانة الموهوبة الراحلة ويزة باشا، وهما من رموز فن الخزف، إذ ستحظيان بتكريم خلال الطبعة الرابعة لمهرجان إبداعات المرأة المرتقب أن ينطلق مساء اليوم بقصر “رياس البحر” بالجزائر العاصمة، حيث خصصت طبعة 2013 لفنون الأرض والمادة، لأنه رغم آثار الاستلاب الثقافي الرهيبة التي خلفها الاحتلال والخسائر الناجمة عنه، إلا أن فنون الأرض بمختلف عناصرها ظلت صامدة، بل ولقيت سبلا جديدة في البروز من خلال الإبداع المعاصر. وعلاقة النساء بهذه الفنون تعود إلى زمن غابر وتمتد إلى يومنا هذا، هن اللواتي، كحرفيات وفنانات، أكدن حضورهن بأعمال تشكل تراثا ثقافيا هائلا، ثم جاءت نساء أخريات بتجربة سبل الابتكار والمعاصرة، كخزافات محدثات ونحاتات، إلا أنهن واصلن الاستلهام من الأشكال، الزخارف والتقنيات التي كانت تستخدم في أعمال السلف التقليدية البسيطة والنقية التي تزال مفخرة للتراث الجزائري. وفي موضوع المهرجان، تقول وزيرة الثقافة، السيدة خليدة تومي؛ إن التراث الثقافي الجزائري يزخر في هذا السجل بقطع فريدة في العالم، يتوجب الحفاظ عليها والإبقاء على تلك المهارات التي أوجدت هذه الكنوز التاريخية في الإبداعات الجديدة الحديثة، سواء كان ذلك في مجال الحرف المستلهمة من المعارف والمهارات المتجذرة في تاريخنا أو في مجال الفنون الإبداعية التي تحاول تجديد الموروث الثقافي في قالب حداثي. وتضيف أنه في هذا الزخم الإبداعي حول موضوع الأرض بكل مكوناتها، لا شك أن النساء هن اللواتي لعبن وما يزلن يلعبن دورا حيويا، بل يتجاوز الاعتبارات الفنية ليمتد إلى إدراكهن الحساس والخاص بالرهانات المتصلة بالوجود على الأرض، وأكدت الوزيرة أن استحضار اسم عائشة حداد في هذه الدورة للمهرجان، تلك المجاهدة، الفنانة التشكيلية والفنانة في مجال النحت، إلى جانب اسم الراحلة الفنانة القديرة ويزة باشا التي ستكرم بمناسبة اليوم الوطني للفنان المصادف لتاريخ 8 جوان، يفتح المجال واسعا للمفاهيم والمعاني التي يمتزج فيها تاريخ الجزائر بشجاعة نسائها وعظمة فنها، وبما نكنه من دلالة لمفهوم الحرية والكرامة، وهو المفهوم الذي يجعلنا نرفض أي إذلال لهذه الأرض وهذا الوطن. ويعد النحت، الخزف، الفخار والفسيفساء من أشكال التعبير الفنية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالأرض، بحكم أن الطين هو مادتها الأساسية، وخلال معارض المهرجان، ستدهش المشاركات الجزائريات والأجنبيات الزوار، وسيشاهدون كيف تستكشف النساء الفنانات مختلف طرق الإبداع الفني دون أي تمييز، مع استخدام أنماط الفن البربري الإسلامي، وهو بمثابة اقتحام الفن العالمي دون خلفيات، وهناك عنصر واحد يوحد المناهج كلها، هو جزائرية العمل الفني، من خلال التزام حساس إزاء القضايا الراهنة، وحينها يصبح للعمل وجه أكثر حدة وللجمال مفهوم آخر، ويصبح الأسلوب قاسيا وفظا، ومع ذلك فإن الطابع الجزائري لا يتنافى مع العالمية، لأن فن هؤلاء الفنانات إنساني بشكل أساسي.