لأول مرة أرى نفسي أصلي في المنام وأتمم الركعات، عكس أحلامي السابقة، حيث أرى نفسي ألحق على ركعة أو نصفها، أو أقوم مع المصلين دون وضوء أو أصلي بحذائي، إلى غير ذلك من المواقف المخزية.. هكذا أنا دأبي مع الشيطان وصراعي معه حتى في الأحلام، وكلما رأيت نفسي في موقف كهذا يحصل لي مكروه يكدر حياتي ويؤزمها... وجدت نفسي قائما خلفه في صف يتوسط المسجد، يعبث بلحية كثة سوداء، تكاد تلامس صرته، بقميص مقصر أسود هو الآخر.. يحك حنكه الأيمن بيساره والأيسر بيمناه... إنه هو، هو بلحمه وشحمه، هو الذي كان يسمى قبل اليوم ”الخفاش”، لم يكن ينزعج ممن يناديه بهذا الاسم، كان يعتز ويتباهى بذلك، قال لهم ذات يوم أنا كائن أجمع بين صفات البشر والطيور ومخلوقات أخرى لم تكونوا تعرفونها إلا من خلال الأفلام الخيالية.. ما الذي جاء بالخفاش هنا، وقد عهدته يترصد ضحاياه أمام البريد أو في زحمة الأسواق أو طوابير المحطات أو دور السينما.. كان وهو قائم ”يصلي” يتفحص الناس أثناء عبثه بلحيته السوداء، لا يبدو عليه الخشوع والاطمئنان.. دائب الحركة.. يتأرجح على رجليه في حركة مستمرة، أسمع زفيره من حين لآخر عندما يتنهد كمن يتأفف من شيء مستنكر، رفع عني الخشوع وربما الوضوء أيضا، وتركز أهتمامي وتفكيري في ”الخفاش”. وهدف الخفاش من أداء طقوس لا يؤمن بها، كنت أدعو في سجودي وأطيل عسى الله يحفظنا من كيد الخفافيش، وننهي الركعات الأربع بسلام وبعدها نتحرر، ونتلفت بحرية ونحرس أو نتفقد أمتعتنا وأحذيتنا، فما أظن هذا الخفاش أتى إلا من أجل النيل منا، فإن لم يستطع يأخذ أمتعتنا أثناء خشوعنا وأحذيتنا ليكشف عوراتنا، ويزرع الشك والبلبلة والفتنة في صفوفنا.. من حزامه أطل شاقور أثناء الركوع، شاقور في غمد جلدي أحمر لامع، لم يلحظ أحد ما رأيت.. وبين الركوع والسجود أنساني الله ما رأيت، وذاب الناس في دفء ترتيل الإمام لسورة ”المنافقون”، وانتهت ركعات العشاء الأربع، وما إن سلمنا حتى تذكرت ”الخفافيش” فوجدت مكانه فارغا، وكان قد تسلل أثناء خشوعنا وتركيزنا في الصلاة.. تفقد الناس أمتعتهم وأحذيتهم فاكتشفوا أن الخفاش قد جردهم من جل ما يسترون به أجسادهم، حيث كان قد استغل فترة انهماكهم وخشوعهم لله تعالى، فاستحوذ على أمتعتهم ولعله الآن يعبث ببيوتهم أو يحرف أبناءهم أو يخطف بناتهم، وما إن خرج المصلون حتى سمعوا الصبية في الشوارع يصيحون مذعورين: الخفافيش.. الخفافيش، عندها أدرك الناس أنهم كانوا ضحية خفافيش خطيرة، تعمل بأنظمة متطورة، زودتهم بها أنظمة أكثر تطورا. وما إن استيقظت من فزع الخفافيش حتى أسرعت إلى الحمام لأغتسل وأرش البيت بمطهر لأزيل ما علق بالبيت من رائحة الخفافيش.