انطلقت، أول أمس بمقر اتحاد الكتّاب بالعاصمة، أشغال ملتقى “مزغنة للإبداع الأدبي والفكري” في طبعته الأولى التي تحمل عنوان “الكتابة قضية ورؤية ووجهة نظر”، بمشاركة عدد من الأدباء المبدعين، الذين استغلوا المناسبة لتقديم جديدهم. افتتح الأشغالَ الأستاذ جمال سعداوي رئيس فرع العاصمة، الذي ثمّن اللقاء معتبرا إياه تواصلا بين المبدعين، لينشّط بعدها الأستاذ شريف الأدرع ندوة خصَّصها لكتابه “مصطفى كاتب من المسرح الجزائري إلى المسرح الوطني”. أكد الأدرع في تدخّله على الأهمية التاريخية لمسيرة الراحل مصطفى كاتب، فلقد تربّت على يديه أجيال متعاقبة قبل وبعد الاستقلال، مرجعا سبب نشره لهذا الكتاب إلى التهميش والنسيان غير المقصود في كثير من الأحيان، الذي مارسه بعض تلاميذ الراحل على تراثه. من جهة أخرى، فإن الكتابات والتأريخ للمسرح الجزائري كانا يمران مرور الكرام على مسيرة مصطفى كاتب، وبينما يتم التركيز فقط على مسيرة محيي الدين بشطارزي وهذا حسبما أشار إليه الأدرع بقيت الكتابات تستنسخ عن بعضها وعن مذكرات بشطارزي. استشهد الأدرع في كتابه بمقالة كتبها رشيد بن شنب، جاء فيها مختصر لمضمون أول رسالة دكتوراه كُتبت عن تاريخ مسرحنا، وكان ذلك سنة 1966 من طرف الفرنسي ألتروت، الذي تناول مسيرة المسرح من بداياته حتى 1954، وكان الاعتماد فيها على مذكرات بشطارزي فقط، كما عرض الدارس الفرنسي 20 مسرحية من بين 200، 12 منها للراحل بشطارزي وحده، مما يوضح مدى التهميش. أكد المحاضر أنه اجتهد في جمع كتابات الراحل مصطفى كاتب، والتي تعكس تاريخا لا نعرفه، وممارسة مسرحية رائدة وُلدت خارج الأوبرا. كان مصطفى كاتب أول من تَبنّى مسرح الهواة في الجزائر (بولوغين)، وكان يطمح لجعله مدافعا عن الذات الجزائرية، فأسّس “فرقة المسرح الجزائري” في الأربعينيات، ثم فكر في التكوين، فأسّس المعهد الذي يلقى الممارسة التطبيقية والنظرية. يقول المحاضر: “لقد وجدت في الأرشيف مقالة تعود لتاريخ 1953 بعنوان “من أجل أن تحيا الجزائر”، بها برنامج التكوين لفرقة كاتب، ويشمل التكوين أيضا الفئات التي فشلت فيه؛ إذ توجَّه إلى مهن فنية متعددة. كوَّن الراحل ذخيرة فنية أساسها التمارين خاصة في الإماء والمشاهد الحية والمسرحيات القصيرة، وكان في فرقته كتّاب هواة منهم عبد الله نقلي مؤلف “الكاهنة”، ورويشد الذي أصبح من أشهر المؤلفين بعد الاستقلال خاصة في المسرح الشعبي. يتضمن الكتاب أيضا نصوصا كتبها مصطفى كاتب، أما مقدمته فوقّعها الدكتور مخلوف بوكروح إضافة إلى نشر شهادتين، إحداهما للوزير الأسبق للثقافة ثم للخارجية، وهو محمد الصادق دمبري، وأخرى للمسرحي المغربي الكبير الطيب الصدّيقي، وكلاهما قدّم معلومات تُكتشف لأول مرة أنها كانت حافلة، فهو ابن عائلة عريقة، فوالده عبد العزيز كان إطارا مترجما بالأمانة العامة للحكومة، ونشر العديد من أشعاره، كان صديقا لمحيي الدين بشطارزي، الذي ظن أن مصطفى فرنسي عندما قابله أول مرة نتيجة أناقته وفصاحته في لغة موليير. كل خالات مصطفى كنّ شاعرات ومتعلمات وعازفات على الآلات الموسيقية، خالته عتيقة، مثلا، طلبها الإمام ابن باديس للزواج لكن أباها رفض لصغر سنها، وأمّه كانت من أولى الجزائريات المتعلمات، ربطت أبناءها بمبادئ وملامح الهوية الجزائرية. أثناء المناقشة أكد المؤلف على تجربة كاتب في التكوين حتى قبل الاستقلال، حيث وقف متحفظا على مراكز التكوين الفرنسية التي تحمل إيديولوجيا استعمارية، في حين عمل هو على إعطاء المسرح هويته الجزائرية وأسلوبه المختلف عما كانت تقدمه مراكز تلك الفترة. مصطفى كاتب انخرط مبكرا في الحركة الوطنية وصولا إلى ثورة التحرير، حيث قاد فرقة جبهة التحرير، ورفض الراحل أداء الخدمة العسكرية في شبابه، فعوقب ونُفي إلى الصحراء، فكانت تجربة أخرى اكتشف فيها الجزائر العميقة، مما جعله يؤمن بلامركزية الفن والمسرح، وعمل على توزيع أعماله في كل الجزائر. بالمناسبة، قدّم شريف الأدرع جانبا من كتاب جديد آخر بعنوان “هوامل الكلام”، وهو سلسلة مقالات تناولت ممارسات وأفكارا ووجهات نظر خاصة بالشأن الثقافي الجزائري بأسلوب ساخر. الشق الأدبي للملتقى تمثل في قراءات قصصية نشّطها الروائي فيصل حقي، وهو من مواليد الرقة عام 1948، يعتمد على الأسلوب البسيط في رسم الشخوص، مستعملا كيمياء هادئة في معمله الداخلي، وهو كاتب عميق يختصر تجربة وطنه، لا يركن إلى النعيم بل يركّز على جوهر الحياة، مبدعٌ، لم تلوّثه الظواهر ولا زيف الحياة. قرأ مقطعا من “الرغبات المسحوقة” التي نالت العديد من الجوائز في سوريا، وهي تحكي عن حمدان الذي يصارع من أجل أن يحيا. كما قرأت ليلى بيران “موعد مع الحياة”، خاصة بيوميات امرأة عادية. وقرأت حورية داودي وجلولي جلول، أما التنشيط فكان لآمال بوشارب. في حديثه ل “المساء”، أكد نور الدين لعراجي الأمين الوطني المكلف بالشؤون الثقافية، أن هذا الملتقى مندرج ضمن السياسة العامة لاتحاد الكتّاب، وهو بمثابة إعادة بعث فرع الجزائر العاصمة الذي أُنشئ حديثا؛ من أجل تنشيط الحراك الثقافي في الساحة الوطنية، إضافة إلى رد الاعتبار للأقلام الأدبية المغمورة، كما أن النشاط يدخل في إطار الخمسينية.