يجب التنويه دائما بالملاكمة في بلادنا، بل بالإقرار بالخدمات الكبيرة التي قدّمتها للرياضة الجزائرية على مدار السنوات، فلم تفاجئنا ميدالياتها الذهبية الخمسة المحصّلة في دورة مرسين المتوسطية، بقدر ما أكدت هذه الرياضة أنها لازالت فاتحة أبواب التتويجات للجزائر في المناسبات الكبرى التي بدأتها في أولمبياد لوس أنجلس عن طريق مصطفى موسى ومحمد الزاوي (1984)، ودعّمتها بتتويج آخر في ألعاب برشلونة (1992) التي نال فيها المرحوم حسين سلطاني الميدالية البرونزية في الوزن الخفيف، والذي أعاد الكرة في ألعاب أطلنطا (1996)، بإحرازه للميدالية الذهبية رفقة مواطنه محمد بحاري، الذي نال ميدالية برونزية في الوزن المتوسط، بينما في ألعاب سيدني (2000) فاز محمد علالو بالميدالية البرونزية، ولا ننسى أيضا الملاكم العالمي محمد بن ڤاسمية، الذي سجل اسمه بأحرف من ذهب في الجمعية والاتحادية العالميتين للملاكمة، كل هذه الانتصارات شكّلت محطات هامة في تاريخ الرياضة الجزائرية لا تقلّ أهمية عن مشاركة منتخبنا الوطني لكرة القدم في ثلاث نهائيات من كأس العالم وتتويجات ألعاب القوى الجزائرية في الألعاب الأولمبية. ولازالت ذاكرة الرياضة الجزائرية تحتفظ بالقامات الكبيرة في ملاكمتنا، التي حافظت على سمعتنا العالمية في الفن النبيل، الذي لا يبرز فيه عادة إلا من يتسم بالقوة والشجاعة وبطبيعة الحال بالبراعة الفنية. وتمكنت الملاكَمة الجزائرية من فرض هيمنتها على المستوى العربي والإفريقي بعدما كانت أسماؤها ساطعة في الستينات والسبعينات والثمانينات، نذكر من بينها الإخوة بنور وقدور وبلهواري وميسوري ورحماني ورحو وبلهوان، الذين كان بوسعهم الاحتراف بسهولة في تلك الفترة وتسجيل أسمائهم بأحرف من ذهب في الملاكمة العالمية، لكن الحظ ابتسم في هذا المجال للوصيف حماني وعبد القادر ولد مخلوفي، اللذين اختارا الاحتراف ونازلا على اللقب العالمي، الأول في الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد هاقلر، والثاني في اليابان أمام شيباطا، وقد استطاع لوصيف حماني، الذي كان يلقَّب ب ”ملك الملاكمة” في باريس، أن يهزم الملاكم شيفيلد، أحد الأبطال العالميين المشهورين في الملاكمة خلال السبعينات بعدما بقي يلاكم في سن متقدمة. وليست الملاكمة الجزائرية وليدة الاستقلال، حيث كان الجزائريون يجيدون ممارسة الفن النبيل خلال الحقبة الاستعمارية، فكانوا من أشد المنافسين للأبطال الأوربيين والعالميين، نذكر من بينهم عمر قودري الملقب ب ”عمر لونوار” وبوب يوسف وألفونس حليمي بطل العالم في وزن الديك خلال الخمسينات، حيث ينحدر هذا الملاكم من عائلة جزائرية أصلها من قسنطينة، وقد أنجز حليمي تكوينه في الفن النبيل ضمن مدرسة الملاكمة لمولودية الجزائر التي أنشأها وقادها محمد عبد النور، ولا ننسى أيضا الملاكم الأسطورة شريف حامية، الذي ترك اللقب العالمي في الوزن الخفيف ينفلت من يديه بماديسون سكوار غاردن بأمر من جبهة التحرير. كل هذا التاريخ الحافل بالألقاب والأمجاد يجعلنا نقول اليوم إن الملاكمة الجزائرية تملك كثيرا من الإرادات والإمكانات البشرية، التي تسمح للجزائر بإثراء سجلّها الرياضي على المستوى العالمي، وقد حان الوقت لمنحها الاهتمام اللازم من السلطات العمومية المكلفة بالرياضة.