عرفت الأسواق، تزامنا وحلول الشهر الفضيل، توافد العديد من العائلات على الأسواق الشعبية والمحلات، ليس لاقتناء لوازم الشهر الفضيل وإنما استعدادا لعيد الفطر، من خلال الإقبال على شراء ملابس العيد، مما أعطى الانطباع بأننا نعيش آخر أيام رمضان، فما الذي جعل العائلات الجزائرية تجعل شراء ملابس العيد تقليدا تعيشه شهرين على الأقل قبل حلول الشهر الكريم؟ في جولة استطلاعية ل ”المساء” ببعض الأسواق الشعبية على غرار سوق بلكور، وقفت على الإقبال الكبير للعائلات على اقتناء ملابس العيد لأبنائها، حتى خيّل لنا أننا نعيش آخر أيام رمضان. وعند تقربنا من بعضها أكدت أن دافعها هو الخوف من ارتفاع الأسعار مع الأيام الأخيرة لشهر رمضان، وهو أمر تعودت عليه مع حلول المواسم على غرار شهر رمضان، عيد الفطر وعيد الأضحى. في حديثنا مع سعيد (موظف وأب لطفلين) الذي كان يهم بدفع ثمن بعض الملابس، قال: ”أصبح ارتفاع الأسعار مع حلول المواسم شيئا عاديا بالنسبة لنا. ولتفادي الارتفاع الفاحش أفضّل اقتناء الملابس قبل اقتراب موعد العيد، فمن جهة أريح نفسي من عناء التفكير في ملابس العيد، ومن ناحية أخرى أتجنب ارتفاع الأسعار التي تبلغ أوجّها، إذ قد تصل القطعة الواحدة إلى 3000دج، هذا دون الحديث عن الأحذية التي أضحت تتطلب ميزانية خاصة بها”، وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند السيد حليم (سائق بمؤسسة عمومية)، الذي قال إن الغلاء ولّد لديه الدافع لاقتناء ملابس العيد قبل حلول الموعد، لاسيما أن أسعار ملابس الأطفال تعرف ارتفاعا فاحشا خلال الأيام العادية، ومع اقتراب حلول العيد يصبح اقتناؤها لمن استطاع إليه سبيلا. وبحكم أن رمضان يكلف هو الآخر ميزانية كبيرة فضّل اقتناء الملابس قبل دخول الشهر الفضيل على الأقل، ليضمن لأولاده فرحة العيد. وإذا كان الخوف من ارتفاع الأسعار الذي بات شيئا عاديا هو الدافع الرئيس لاقتناء ملابس العيد مبكرا، فإن البعض الآخر لديهم رأي مغاير في الموضوع، فالسيدة ”مريم. م« (أم لأربعة أطفال) التي التقتها ”المساء” بالأبيار باحثة عما يناسب أطفالها، قالت إنها رغم رفضها فكرة شراء الملابس قبل اقتراب موعد الاحتفال بعيد الفطر لتعيش كل لحظة في وقتها، غير أن ما شهدته في السنوات الماضية من زحام واكتظاظ، جعلها تغيّر رأيها، لا سيما أن الأيام الأخيرة من رمضان يصاب فيها الصائم بالتعب والإرهاق، الأمر الذي يحتّم عليها الاقتناء المبكر للملابس وصوم الشهر الفضيل دون التفكير في عناء شراء ملابس العيد، بينما ترى السيدة سهيلة (موظفة وأم لثلاثة أطفال)، أن المرأة الموظفة تجد صعوبة كبيرة في التوفيق بين العمل والمطبخ وبين التفكير في اقتناء ملابس العيد؛ من أجل هذا ارتأت التخفيف من التزاماتها الكثيرة باقتناء ملابس العيد لأبنائها، لا سيما أن الأسعار تعرف نوعا من الاستقرار اليوم، كما أن لها الوقت الكافي للبحث عما يناسب أبناءها؛ على اعتبار أن الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل يصبح من الصعب فيها إيجاد المقاسات المناسبة، وما يزيد من الصعوبة الزحمة التي تعرفها المحلات والأسواق. ولمعرفة رأي أهل التخصص في ظاهرة الاقتناء المبكر لملابس العيد، تحدثت ”المساء” إلى مصطفى زبدي رئيس جمعية حماية المستهلك، الذي قال: ”من يقتني ملابس العيد حاليا هي العائلات متوسطة الدخل والمعوزة، لأن ملابس العيد بالنسبة للعائلات العاصمية، شيء مقدس وضروري ولو كان ذلك على حساب القدرة الشرائية أو مصالح الأولياء؛ لأنهم يفضلون فرحة الأطفال على حساب أي شيء آخر”. وبما أن أسواقنا يضيف ”لا تعرف استقرارا في الأسعار فمع حلول كل موسم ديني نشهد ارتفاعا رهيبا فيها، وما يحدث قبل شهر رمضان من تخزين للمواد الغذائية خوفا من ارتفاع أسعارها، خير دليل على ذلك، وعليه تتكرر الظاهرة مع ملابس الأطفال؛ خوفا من قلة المنتوج وتجنبا لارتفاع الأسعار، وهي ظاهرة نعرفها كل سنة”. و«اكتواء العائلات بارتفاع الأسعار دفعها لاقتناء المنتوجات قبل شهر، فالحذاء الذي كان بسعر 1600 دج يتضاعف مرتين، ومن ثم فهذا الاقتناء الاستباقي مبرر عند كل العائلات، وتحديدا العائلات متوسطة الدخل”، حسب محدثنا. وفي رده عن سؤالنا عما إذا كان الإسراع في اقتناء ملابس العيد مبكرا ذكاء من العائلات، قال: ”يخطئ من يعتقد أنه ذكاء، وإنما الحاجة هي التي تدفعهم إلى اقتناء الملابس قبل وقتها بعد أن اكتووا بالارتفاع الجنوني للملابس، خاصة أن ملابس العيد بالنسبة للأطفال ضرورة، تجنّبهم الشعور بالنقص أمام الأولاد الذين يتلهفون لارتداء ملابس جديدة”. ولمواجهة ظاهرة الارتفاع الجنوني للأسعار، شدّد محدثنا على وجوب تفعيل آليات الرقابة لتحقيق استقرار الأسعار في شتى المجالات وليس أسعار ملابس الأطفال فقط. وبحكم أننا نعيش شهر رمضان الذي يقودنا إلى العيد؛ حيث تعرف ملابس الأطفال ارتفاعا جنونيا؛ يدعونا الأمر يقول رئيس جمعية حماية المستهلك ”إلى توجيه نداء إلى الجهات المعنية لتفعيل الرقابة”، واقترح، بالمناسبة أيضا، ضرورة تشجيع المنتوج الوطني لتحقيق نوع من التوازن ولإعادة الثقة في المنتوج المحلي الذي يستحق التشجيع”.