لم تلق مبادرة السلطات الانتقالية في مصر بوضع رزنامة مواعيد المرحلة الانتقالية الترحيب الذي كانت تتوق إليه من طرف قوى سياسية متباينة التوجهات، مما أكد أن خروج مصر من حالة الشك ليس غدا. وإذا كان موقف حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لحركة الإخوان، متوقعا بالرفض المطلق للإعلان الدستوري وعدم رغبته في “تأييد انقلابيين على سلطة أول رئيس مدني منتخب” تعرفه مصر، فإن المفاجأة جاءت من جبهة الإنقاذ الوطني الموالية لقيادة الجيش التي أعلنت رفضها هي الأخرى لهذه الوثيقة وطالبت بتعديلها في جوهرها. ويكون مثل هذا الموقف قد أخلط حسابات الرئيس الانتقالي عدلي منصور في تنفيذ مخطط الخروج من حالة الاحتقان الحالية وهو الذي كان يراهن على الأحزاب الليبرالية المنضوية في هذه الجبهة والتي أدت دورا محوريا في دعم الجيش من أجل إيجاد التغطية القانونية للإطاحة بنظام الرئيس الإخواني محمد مرسي. والمؤكد أن مثل هذا الموقف سينعكس على مهمة رئيس الوزراء حازم الببلاوي الذي سيجد صعوبة كبيرة في تشكيل حكومته بعد الرفض الذي يكاد يكون جماعيا للخطوات التي أقبلت عليها السلطات الانتقالية بدعم من قيادة الجيش. وفي حال تكرس مثل هذا الموقف فإن ذلك سيؤثر بطريقة مباشرة على الآجال التي حددتها السلطات للخروج من المرحلة الانتقالية على اعتبار أن أولى مهام الحكومة الجديدة تبقى ضمان تجسيد المراحل التي حددها الإعلان الدستوري واحترام مواعيده من منطلق أن كل تعثر سيؤدي في النهاية إلى تأخير تحقيق الهدف النهائي بإجراء انتخابات عامة ورئاسية بحلول العام القادم. والمفارقة أن جبهة الإنقاذ أبدت موقفها الرافض رغم أن رئيسها محمد البرادعي قبل أن يكون نائبا للرئيس الانتقالي للشؤون الخارجية بما يؤكد أن المحافظة على هذا الائتلاف غير مضمونة ولا يستبعد أن ينهار في أية لحظة بسبب تباين مواقف أطرافه على اعتبار أن توحده كان حول نقطة واحدة وهي الإطاحة بنظام الإخوان على أن يكون للأمر شأن آخر بعد ذلك. ويبدو أن الأحزاب العلمانية أرادت استغلال مرحلة الضعف التي تمر بها القيادة السياسية والعسكرية في البلاد لتمرير موقفها تجاه مضمون الدستور الجديد، حيث أعابت على عدلي منصور تأكيد الإعلان الدستوري على أن الإسلام يبقى مصدر التشريع ودين الدولة المصرية واعتبرت أن ذلك يعد رضوخا لمطالب حزب النور السلفي. ولكن هذا الأخير رفض هو الآخر الدخول في الحكومة وتأييد الإعلان الدستوري رغم أنه انقلب على موقفه تجاه الرئيس محمد مرسي بعد أن انحاز إلى جانب قيادة الجيش المصري منتهجا في ذلك منطقا براغماتيا عندما تأكد أن القطيعة قد تمت بين الجيش وحركة الإخوان وأن أيام الرئيس محمد مرسي أصبحت معدودة. ورغم تباين مواقف هذه الأحزاب حسب منطلقاتها وأهدافها من مشهد سياسي يكتنفه الغموض التام فإن كل القوى السياسية المصرية اتفقت على القول أن الآجال التي حددتها السلطات الانتقالية “جد متفائلة” بالنظر إلى حالة الاحتقان التي تشهدها الساحات العمومية والتي أدت مع مرور الوقت إلى إحداث شلل تام للاقتصاد المصري الذي أوشك على الانهيار لولا طوق النجاة الذي قدمته دول الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية والكويت التي قررت منح مساعدات لمصر بمبلغ 12 مليار دولار. وهو ما يشكل متنفسا للسلطات الجديدة لإخراجها من حالة الضيق المالي التي تواجهها وشكلت عاملا مساعدا في تسريع عملية الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي الذي كان في أمس الحاجة إلى هذه المبالغ حتى يتمكن من تجسيد وعوده المقطوعة ولكن الأموال الكافية خانته وحالت دون تحقيقها. ولكن توقيت وصول هذه الأموال الضخمة لم يأت متأخرا عن موعده وكان يمكن أن تكون ذات منفعة لو أنها جاءت قبل معركة الساحات العمومية في مصر والتي كرست الانقسام في داخل المجتمع المصري ويبدو أنها أصبحت صراع أفكار ومبادئ أكثر منها أزمة أموال وإنهاؤها لن يكون بالسهولة التي قد يتصورها البعض بعد أن أصرت حركة الإخوان على عدم العودة إلى الديار حتى يعود مرسي إلى منصب اتخاذ القرار.