رأيت فيما يرى النائم قوما يسيرون في اتجاه منحدر بتؤدة، وعياء بينا رغم السير المتأنّي وفي اتجاه منحدر، إلا أنه كان يبدو عليهم التعب والإرهاق. حاولت أن أحدّد الاتجاه الذي يسيرون نحوه فلم أفلح. يتحدثون كثيرا وبلغات مختلفة، غير أنه من خلال بشرتهم وملامحهم وطقوسهم عرفت أنهم عربا، كانوا يوما لسانا واحدا وقوّة واحدة، ولما استأنسوا وتمدّنوا وتناسلوا وتكاثروا كثرت لغاتهم وتعدّدت ألسنتهم، وبات من الصعب فهم بعضهم البعض، حتى أنهم صاروا يتواصلون بلغة الإشارة، وعندما لا يفهمون بعضهم يستنجدون بغيرهم، ويستعينون بلغات أجناس أخرى، ولشدة ما يعانون من ضغط، وأحيانا استحالة في إفهام بعضهم، يشتمون بعضهم ويسبّون، ثم يفترقون ويتفرقون!.. سرت خلف القوم في اتجاه يجهلونه قبلي، ورحت أرقب دبيبهم.. لم يكونوا يحملون شيئا، ومع هذا تراهم شديدي الإرهاق، نزعوا عنهم - والعهدة على الأحلام - أحذيتهم وملابسهم وكل ما «يثقلهم» وبدوا في حالة تبعث على الاشمئزاز والتقزز، تثاقلت حركتهم وتباطأت، وانهار بعضهم وتساقط، ومن وقع لا يُلتفت إليه، فتعثر عليه، بعد ذلك، بعض الجوارح، فتنهش لحمه وعظمهَ... تمادى القوم في سيرهم البطيئ وكأنهم يساقون إلى حتفهم، وأصابني العياء بدوري وأنا أتقفّى أثرهم، وأصابهم وهن، فتوقفوا عن السير ليرتاحوا من وعثاء سفر في اتجاه مجهول، وقعدوا في تلك البقعة من الأرض حوالي ثمانية قرون بحسابهم، ثم قرروا العودة من حيث انطلقوا وتتبّعوا آثار أقدامهم خطوة خطوة، وانطلقوا في منحدر آخر وهم لا يدرون أي نهاية تنتظرهم، وأبرموا عهدا مع الزمن ألاّ يسايروه أو يقفوا في وجهه، بل وعزموا على أن يقعدوا إن هم وصلوا إلى نقطة الصفر حتى يأتيهم الزمن صاغرا حيث هم دون أن يتحركوا، وبذلك يضعون حدّا لتلك الرحلة الشاقة التي قضى فيها أجيال حتفهم ولم يقطعوا فيها أكثر من شبر بحساب غيرهم... ولما استيقظت من كابوس التيه اكتشفت أن قطار العاشرة قد فات، فعدت بدوري إلى النوم والتيه مثلهم! ..