في كل عام وبحلول شهر الصيام، تتكرر نفس الظواهر الرمضانية، لنؤلف منها سيناريوهات، قصصا وحكايات تعطي للأسف المثل السيئ للأجيال الناشئة، ومنها سيناريو الكسل، النوم المتواصل والخمول طيلة الشهر الفضيل! فرمضان هو الشهر الذي تتخذه الأكثرية ذريعة وحجة للتقاعس، فتعزف عن أداء مهامها ووظائفها، وقد يصل الأمر إلى تعطيل مصالح الناس وإلحاق الضرر بهم، وهذا ما نهى عنه ديننا الحنيف والرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم في قوله: «لا ضرر ولا ضرار». فهذا الحديث على قدر قصره، على قدر ما يدخل في عدة أحكام شرعية، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة الإسلامية للحفاظ على مصالح الناس والأمة، كما دعانا الرسول المصطفى إلى الإتقان لكونه أساس العمل الناجح، وهذا ما تجلى في قوله صلى الله عليه وسلّم: «من عمل منكم عملا فليتقنه». فرمضان يأتي مرة واحدة في السنة، لذا قد نندم قطعا إذا لم نغتنمه في العمل والعبادة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي». فرمضان هدية ربانية وفرصة لا تعوّض لمضاعفة الأعمال الصالحة والتكفير عن الذنوب والمعاصي المهلكة، فحري بنا اغتنام أوقاته فيما ينفع، أي في العمل بدل تضييعه في النوم والكسل، والعمل من أهم العبادات لأنه يحقق معنى الاستخلاف في الأرض الذي هو الغاية أيضا من خلق الإنسان، لذا ربط سبحانه وتعالى بين الصلاة كعبادة والسعي في الأرض كعبادة أيضا، إذ قال عزّ من قائل: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون». (سورة الجمعة الآية 10)، والتي تفسيرها: فإذا سمعتم الخطبة وأدَّيتم الصلاة، فانتشروا في الأرض، واطلبوا من رزق الله بسعيكم، واذكروا الله كثيرا في جميع أحوالكم؛ لعلكم تفوزون بخيري الدنيا والآخرة. فالعمل والعبادة في الإسلام صنوان لا يفترقان وقيمتان متلازمتان، والعبادة عمل يسعى به المسلم إلى إرضاء خالقه، وهو الهدف الأسمى من خلق الإنسان.العمل مفتاح آخر من مفاتيح الخير في هذا الشهر الكريم، مفتاح يفتح باب الجد والمنفعة للنفس والآخرين، ويسدّ باب الكسل والضرر بالنفس وبالآخرين، لأنّ الفراغ على الدوام مفسدة، وهو الذي ينشىء الكسل والتراخي وتكون عواقبه قطعا وخيمة! فإذا أراد المسلم أن يغنم، فلا يجعل شهر الصوم شهر كسل، فمن الإساءة لفريضة الصوم أن تكون مدعاة للتراخي والخمول، والأجدر أن نقرن الصوم بالعمل ليكتمل الأجر، ولا ننسى أنّ الكل يرى ما نعمل ويقيم، ومنهم الخالق الواحد الصمد الآمر في قرآنه بالجد والمثابرة، وهذا ما يتجلى في قوله تعالى: «وقل اعملوا فيسرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». سورة التوبة الآية 105.