ألا ليت الحياة أحلام فحسب، فرغم أني لا أملك رخصة سياقة لأي فئة أو وزن من الأوزان، وما حلمت يوما بامتلاك سيارة أوقيادتها، إلا أن حياة الأحلام تصنع المعجزات وتحقق ما يعجز عنه الواقع، أي واقع، فقد رأيت نفسي البارحة أمام مقود سيارة من أفخر وأجمل ما أبدعت يد الإنسان، ذات ماركة غير مسبوقة يبدو أنها صممت خصيصا لي، أقودها وكلي فخر وتباه، يد على المقود وأخرى على حافة الزجاج على يساري، شعري الأسود الكث يكاد يطير من سقف نصف مكشوف، حصلاته الحريرية المنسدلة تحجب عني من حين لآخر الرؤية، فأضطرب خوف الإنحراف عن الطريق والوقوع في سراديب اعتقدت أنها حفرت خصيصا لأجلي كي أقع فيها، أنحرف عن حفرة فأقع في أخرى، وبدل الدوس على الفرامل أضع رجلي على دواسة البنزين، فتنطلق السيارة كالسهم نحو المجهول.. وجدت نفسي أسبح في طريق ذي اتجاه واحد وحيدا كنت في الميدان بسيارة تسير على عجلات أربع حينا وأخرى تسبح كطائر أشعر أحيانا أنه يغرد مزهوا فرحا بي على متنه، وفي مكان خال من أي مخلوق يقع بين كوكبين، استوقفتني مجموعة من رجال الدرك وكأنها حطت من الجو في ذلك الموقع لتوها احتفاء بقدومي، وفوجئت بإشارة من يد مرفوعة تكاد تلامس السحاب، فأمرني بالركون إلى أقصى اليمين، ولما رأيت أن المكان لا يمين ولا يسار له، توقفت وسط الطريق وشكلت بذلك طابورا طويلا خلفي، وانتشيت لذلك ولم يعلق رجال الدرك ولم يبالوا بذلك، المهم عندهم هو أنا ووثائق السيارة: وثائق السيارة من فضلك، بنبرة حاد حازمة صدرت الأوامر من رجل يتوسطه بطن عجز عن حمله، أمرني بالوقوف تحت شجرة تحاذي موقع نبع عين الديس، لأن الانتظار والتحري سوف يطولان، تتالت التوبيخات والقذائف من كل صنف، جلس الدركي في المقعد الخلفي لسيارته وراح يدون ويكيل: السرعة الفائقة، خطر على المارة، خطر على الأمن العمومي، سحب رخصة القيادة، سحب البطاقة الرمادية، التأمين، حجز السيارة في المحشر لمدة سنة... خشيت إن أنا نطقت أن أحشر في السجن لتهمة قد تبتكر، وفكرت في جميع الحلول والمخارج والمعارف، ولما يئست انتفضت واقفا، فشدتني زوجتي إلى الأرض وأنا بين يقظة ونوم أهذي لهول ما كنت فيه، فأخبرتها بمصيبة سحب رخصة القيادة، فقالت وهي تضحك: لم كل هذا الخوف وأنت لا تملك رخصة قيادة ولا سيارة؟!