عندما قرأت برقية وكالة الأنباء الجزائرية، التي تتحدّث عن مقتل الطفلة نادية بحي تيجديت العتيق بمستغانم على يد جارتها وأم من لم تمنعه سنواته التسع من الاعتداء عليها، انتابني شعور لم أجد كيف أسميه أهو التقزّز أم الحسرة على ما وصلنا إليه من انحلال أخلاقي وضرب عرض الحائط بكلّ ما له علاقة بالأخلاق والتنشئة السليمة. في هذه الحالة من نعاقب؟ أنعاقب صاحب السنوات التسع على جريمة لا يمكن أن يتقبلها العقل من طفل من المفروض أنّه في عزّ براءته وعالمه مبني على النقاء والحب، فكيف له أن يهتك عرض من لم تتجاوز الربيع الثاني .. طفل يغتصب طفلا آخر. أم نعاقب الأم التي حاولت التكتّم على فعلة ابنها باقتراف جريمة أبشع في حق البراءة جهارا نهارا على أبواب العشر الأواخر من الشهر الفضيل حينما لم تتوان في إزهاق روحها، فقتلت القتيل ومشت في جنازته بكلّ برودة أعصاب ووقاحة. أم نستنكر صمت المجتمع الذي سمح باستفحال ظاهرة دخيلة عليه وغضّ الطرف عنها وباتت الطفولة تغتصب بسهولة ولم يعد مقترفو مثل هذه الجرائم -سواء الاغتصاب أو القتل- محصورين في فئة عمرية معينة حيث بات القاصر والراشد في كفة واحدة، أو في مكانة اجتماعية أو مهنية معيّنة. الأكيد أنّ هذا الطفل الذي نزع رداء البراءة عنه، تأثّر بمحيطه وطريقة تربيته فكيف لطفل أن يهتك عرض طفل آخر؟ وإن اقترف هذا الفعل المخل بالحياء وهو في هذه السن فعلى ماذا سيقدم وهو في الخامسة عشرة والعشرين وفي عزّ الشباب..؟ أسئلة كثيرة تدور في رأسي وتصطدم ببعضها البعض، فأين نحن من الأخلاق التي جبلنا عليها، وما محل الأولياء مما يحدث في المجتمع من انحلال أخلاقي وضرب للقيم الدينية والعرفية، أليس لهؤلاء الأطفال أولياء دورهم الرئيسي التربية الصالحة لأبنائهم وتوجيههم التوجيه السليم، لكن للأسف الشديد ضاعت أخلاقنا في الزحمة وبتنا لا ندرك الصالح من الطالح بعدما استقال بعض الأولياء من مهنتهم الأساسية، تربية النشء، وبات المستنكر مرغوبا.. ويحضرني ها هنا بيت لشاعر النيل حافظ إبراهيم ”إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.