رأيت نفسي، فيما يرى النائم، أقف أمام مدخل إدارة، ومن حولي نفر غير قليل من المنتظرين يتأبّطون صفحات جرائد قديمة تحوي ملفات هي الأخرى قديمة، كما يبدو على وجوه المنتظرين القِدم أو لعلّهم من فجر الاستقلال وهم ماثلون صامدون ينتظرون دورهم. وقفت مع الواقفين أنتظر اسمي أو بعضا منه وأشبع في رغبة الفضول. انتصب أمامنا حائط آدمي واقف على تلّ من الملفات المتآكلة، ويحمل بين ذراعيه طنّا من القوائم ضامّا إيّاها إلى صدره المتثلّج: “اصطفّوا، سوّوا صفوفكم؛ لأنني لا أنظر إلى الصف الأعوج، ومن تكلّم منكم سأطرده من حضرتي، وسيفقد حقه عندنا إلى الأبد”. التزم الناس بالقواعد الصارمة، وأوامر ونواهي هذا الصنم الآدمي وتصنّعوا الطاعة، فزاد ذلك من غروره وغطرسته؛ “اِنتبِهوا، اِسمعوا وعُوا سأتلو عليكم كل هذه القوائم التي أحملها في انتظار الباقين، ومن سمع اسمه يتردّد في هذه القوائم فلا يظنّن أنه المقصود؛ لأن ذلك من باب الصدفة أو التداعي فقط ولا يمتّ بصلة إلى الواقع ولا إلى المتوقَّع، فالخيال سيلعب دوره اليوم، ومن كان منكم خياله واسعا فلسوف يعيش نفس الخيال والمتعة التي يعيشها غيركم... راح المخلوق الآدمي يتلو على مسامعنا الأسماء التي سُوّدت بها تلك القوائم. شنف آذاننا بألف قائمة تحوي آلاف الأسماء، ورأيت، حسبما انتهيت إليه في الأحلام، أنها مستعارة أو هي أسماء لأناس لم يولَدوا بعد أو لن يولَدوا، وما إن سمع أحد المنتظرين من عهد عاد اسمه حتى هبّ صارخا: “حاضر، حاضر سيّدي”... توقف الجلمود الآدمي عن المناداة وأخذ يحدّق في الرجل الصارخ بعين ثاقبة غاضبة: “ألم أقل لك أيها ال... أن ما يرد من أسماء لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة ولا يعدو كونه خيالا؟! وهل وحدك من يحمل هذا الاسم أيها ال.... إن الخيال أيها المنتظرون سيلعب دوره كما أسلفت، وما بُني حاضر أو مستقبل بدون خيال، فكونوا خياليّين إلى أقصى حد وستحققون مبتغاكم عن طريق الخيال،وستحصدون الخيال وحتى خيال الخيال”. عاد المتنظرون إلى سابق وضعيتهم، وعاد الجبل الآدمي إلى هرمه، ليستأنف عمله ويلعب دوره، ثم دوّن الأسماء كلها في لوح خشبي أبيض بطبشور أبيض وصبّ عليها من الماء البارد. ولما رويت الحلم على أهل العلم قيل لي: “أبشر، فالبياض في المنام عنوان لحياة بيضاء، تماما كالسنة التجارية أو الدراسية البيضاء!”.