تطورت مشكلتي مع الأحلام وتعقّدت، وبتّ أخشى على نفسي من مغبّة عاقبتي معها، فقد صارت أحلامي توقظني من عزّ نومي وتُبقي عليّ مخدّرا مكبّلا تحت سيطرتها، منقادا لأوامرها أينما توجهني. فكرت عدة مرات في عرض مشكلتي على طبيب نفساني أو على راق يخلّصني مما يترصدني من خطر منتظر، وأضحى تفكير عائلتي علنا مسموعا وجهروا به، وعرضوا عليّ وصفات لا تخطر على بال أحد، من بينها زيارة بلّحمر، وترصيع حجرة النوم بالتمائم والتعاويذ، وأضحوا يعاملونني كمن به مسّ! وما حصل لي البارحة زاد من حيرتهم وخوفهم عليّ، حيث رأيت نفسي أسير، وشبح لا هو إنسان ولا هو حيوان أو قل يجمع بين صفتهما معا زائد صفة عجزت عن تحديدها، يجرّني من ناصيتي إلى ناحية من البيت ليحشرني في زاوية ويضغط على صدري، فيتوقف تنفّسي ويضيق صدري بما فيه، ثم رأف بي بعد أن لاحظ استسلامي وأمرني بالخروج إلى وجهة حدّدها هو وكنت أذكرها آنذاك، وما إن وقعت قدماي في الزقاق المؤدي إلى مسجد الحي حتى وجّهني نحو السوق، وأي سوق؟! إنها سوق المواشي، ومنذ متى كان لحيّنا سوق؟! حيّنا خال من أي حركة تجارية أو إنتاجية، يأتيه رزقه من قرى أخرى بعيدة، رزقه على الله.. وقعت كحجر وسط حلبة لذات الحافر، تصاغر حجمي وتقاصرت قامتي بين هذه المخلوقات التي ساقني شبح أحلامي إليها، وراحت تتطاول ويتضاعف حجمها وبتّ كحبة قمح بين حوافرها، تصكّني، تتقاذفني، ترفسني، تعبث بي، وكادت تزهق روحي لولا قليل من الرأفة الغريزية، كل ذلك وشبح أحلامي يقف مكتّفا يديه إلى صدره في تلذّذ وتشفّ! حاولت التخلص من هذه السوق العفنة النتنة، تسلقت سياجها الجديد، في وثبة كدت أطير من خلالها وجدت نفسي لعبة بين مخلوقات أخرى من صنع الإنسان... سيارات، شاحنات، جرارات، مخلوقات مجنونة تقودها مخلوقات مجنونة، وأنا كطفل تائه بين المجانين! التزمت السير على يمين الطريق لأتفادى ضجيجها وزمجرتها وخطرها. مرّت شاحنة بقربي في سرعة جنونية على بركة ماء من بقايا أمطار ذلك الفصل الأرعن، فتسربلت بمياه قذرة باردة، يبدو أنني استيقظت على إثرها، فأعادني أحد المارة من أهل النخوة إلى البيت، فقادتني زوجتي إلى الفراش لأذوق العذاب من جديد! هذا ما يروونه عليّ وحكيته عليكم، «وهذا ما سمعت وهذا ما رأيت»!