من المستحيل أن يظل الفنان الجزائري على هامش الاحتفالات بخمسينية استقلال الجزائر، ومن هذا المنطلق يشارك 57 فنانا تشكيليا في المعرض الكبير الذي ينظمه المتحف العمومي للفنون الجميلة، بعنوان ”الفنان الجزائري وحرب التحرير”، والذي تتواصل فعالياته إلى غاية السابع من شهر سبتمبر المقبل. لم يتوان الفنان التشكيلي الجزائري في المساهمة بتخليد الثورة الجزائرية من خلال رسمها بكل أوجهها، ومستعملا في ذلك العديد من التقنيات والأساليب المختلفة، مثل الألوان الزيتية والمائية والنقش والنحت وفن السّجاد وغيرها، وهو ما نراه مجسّدا وبوضوح في معرض بمتحف الفنون الجميلة، وبالضبط في رواق برونز بالطابق الأوّل للمتحف. أسماء كبيرة وأخرى شابة وثالثة معروفة رسمت الثورة الجزائرية، لتكون شاهدة على عظمة القضية الجزائرية، إمّا بطريقة مباشرة من خلال معايشة الحدث أو عن طريق الخيال بما أنّها لم تكن موجودة أثناء الثورة الجليلة، وهكذا رسم خدة، راسم، حكار، زميلي، بوخاتم، بوردين، بلبحار، هارون، هوادف، ماسن وغيرهم مظاهر من هذه الثورة بكل حب وعمق وفخر أيضا. في هذا السياق، قال الفنان محمد ماسن ل ”المساء”، إنّه يشارك في هذه الفعاليات بعمل واحد، يتمثّل في لوحة من فن التجميع صممها بمناسبة مرور 40 سنة على استقلال الجزائر، وعرضها آنذاك برواق ”راسم”، مضيفا أنّه يتكوّن من دائرة بيضاء رمز لدوران العالم، وبالتالي لتدويل القضية الجزائرية. أمّا الدائرة السوداء فهي رمز لسواد الليالي في عهد المحتل الفرنسي، في حين النعال ترمز إلى أحذية المجاهدين، بينما تدلّ حدوة الحصان على دورها أثناء الثورة، مثل نقل الأمتعة والمجاهدين خاصة الجرحى منهم. وأضاف ماسن أنّ وضعه لأسلاك كهربائية في تحفته تدل على أسلاك موريس وشارل المشهورة، أما خرطوشة القذيفة فهي رمز لكلّ ما سقط على أرض الشهداء، مشيرا إلى استعماله لمقولة كاتب ياسين: ”شعب بدأ في المشي يوم أوّل نوفمبر”. بالمقابل قال إنه لم يقم بإنجاز أعمال أخرى عن الثورة الجزائرية رغم أنّها تمثّل موضوعا خالدا ينهل منه الفنان، بل تناول أعمالا كثيرة عن العشرية السوداء. وأشار الفنان إلى أنه يهتم أيضا بعيوب المجتمع مثل الرشوة وظهور طبقة الأغنياء الجدد وتدفق أموال كبيرة لصالح الرياضيين بدون نتيجة مرضية، مضيفا أنه يبحث عن تطور المجتمع. أمّا عن معرضه الذي أقامه مؤخّرا بالمركز الثقافي ”مصطفى كاتب”، فقال إنّه أنجزه وفق مقولة للمفكر الفرنسي جان جان ديبيفي: ”بدون خبز يموت الإنسان بالجوع، وبدون الفن يموت بالملل”، معتبرا أنّ احتكاكه بالجمهور يوميا كان في غاية الأهمية. من جهتها، تحدّثت الفنانة جهيدة هوادف إلى ”المساء”، عن عمليها اللذين أنجزتهما بهذه المناسبة، فقالت إنّ العمل الأول بعنوان ”مريم بوعتورة”، وهو عن الشهيدة مريم بوعتورة من المنطقة التي تتجذرّ منها (نڤاوس)، حيث سمعت عنها الكثير وكانت وماتزال تمثّل فخرا بالنسبة للقرية. أما اللوحة الثانية فأشارت الفنانة إلى أنّها تحمل عنوان ”أعيش في حسيبة”؛ حيث إنّها تعيش ومنذ طفولتها في حي حسيبة بن بوعلي، وشعرت أنّ قدرها متصل بالحي الذي تقطن فيه إلى غاية اللحظة، وهكذا بحثت عن صور عنه ووجدتها تعود إلى السبعينيات، لتضفي عليه بورتري للشهيدة، فكانت النتيجة لوحة تنبعث منها الأحاسيس القوية. وكشفت جهيدة أنها لم ترسم من قبل أي عمل عن الثورة المجيدة إلى غاية تلقّيها دعوة من متحف الفنون الجميلة العام الفارط، للمشاركة في هذا المعرض، لتترجم ما كان ساكنا في أعماقها، وقد تستمر على هذا المنوال.. في أن تكون شاهدة على الثورة رغم أنها وُلدت عاما بعد الاستقلال. بالمقابل، يضم المعرض 70 عملا من مجموعة المتحف ومجموعة البريد المركزي أعمالا من ورشات الفنانين وأخرى من رصيد العائلات، مثل لوحة للفنان زميلي. وتناولت هذه الأعمال محطات من الثورة الجزائرية، وحكت بكل صدق عن الحياة اليومية لأبناء هذا البلد وهم يعانون من ضيم الاستعمار. كما أبرزت وبشكل واضح كل الدمار الذي لحق بالجزائر على يدي المحتل الفرنسي، وكيف أنّ شعبها قاوم إلى غاية ظفره بالاستقلال. ومن بين الأعمال المعروضة التي تعبّر عن الدمار الذي عاشته الجزائر آنذاك نذكر ”انفجار” لنزار كمال، ”دمار” لمعاشو جميل، ”نابالم” لمارتيناز دوني، ”الجزائر في لهيب” لمصلي شكري محمود، ”الجزائر الحمراء” لحيون صالح، ”قصف” لفرحات ليلى، ”ذعر” لمولاي شفيقة و”جريمة حرب” لعبابسية جميلة. أما من الأعمال التي تناولت التعذيب الذي تعرّض له الشعب الجزائري فنذكر ”فيلا سيزيني” لزهرة سلال حشيد، ”مظاهرة 62 التضحية”، ”مظاهرة 20 أوت 1955” لخليل أحمد، ”السلك الشائك” لرجاج رشيد، ”المعاناة في صمت” لزرهوني فاطمة الزهراء، ”خط موريس” لنور الدين شقران، ”الضحية” لصمصوم إسماعيل و”خنشلة محاطة بأسلاك شائكة” للزهر حكار. وتشارك أعمال أخرى لفنانين رحلوا عن الوجود وخُلّدوا في الساحة الفنية مثل أحمد إسياخم بلوحة ”المكفوفون”، محمد زميلي بلوحة ”مواقع تاريخية لمؤتمر الصومام”، محمد خذة بلوحة ”استذكار لموريس أودان” وبان مريم بعمل ”إلى أولئك الذين لم يعودوا”. ويضم المعرض أيضا منحوتتين، الأولى تحت عنوان ”الثورة في التقدم” لبوفرساوي بلقاسم، وتمثل تمثالا ضخما لمجاهد، والثانية للوعيل محمد بعنوان ”نحت من الشكل المركزي للشعار الوطني”، أيضا نجد منمنمات لمصطفى أجاوت ومجموعة البريد المركزي مثل لوحة ”مجاهدين” لصمصوم إسماعيل، علاوة على قصاصات جرائد عن الثورة والفن و”ختم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية” لمحمد بوزيد.