يشير واقع المقاولة النسوية في الجزائر إلى أن نسبها مازالت منخفضة بالرغم من التطور الذي شهدته في السنوات الأخيرة وتتوزع بالخصوص على قطاعات النسيج، الأعمال العقارية والخدمات، فيما عرفت مؤخرا توجها نحو القطاع الصناعي والاستيراد والتصدير. وتشير بعض الأرقام المتوفرة حول المقاولة النسوية -في غياب إحصائيات دقيقة- إلى أن نسبة النساء المقاولات لا تتعدى 6 بالمائة في الجزائر. ورغم أن هذا الرقم منخفض، إلا أنه تضاعف مقارنة بسنة 2005. ويرجع ذلك إلى مختلف الآليات التي وفرتها الحكومة لتشجيع الروح المقاولاتية لدى الشباب عموما وحاملي الشهادات من الجنسين خصوصا. وتشير أرقام الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب "أونساج" إلى أن نسبة المستفيدات من مشاريع هذا الجهاز بلغت 11 بالمائة منذ نشأة الوكالة. فيما بلغت النسبة 60 بالمائة بالنسبة للمستفيدات من الوكالة الوطنية لتسيير القروض المصغرة، حيث استثمرت النساء بكثرة لاسيما في مجالات الصناعات الغذائية والخياطة والألبسة والصناعات التقليدية. ولو تجاوزنا الأرقام التي تبقى بعيدة عن الطموحات المسجلة لدى فئة عريضة من النساء، فإنه يجب القول بأن المشاريع النسوية عرفت طريقها إلى النجاح عبر تجارب رائدة تدل على قدرة المرأة في اقتحام عالم المال الذي ظل لفترة طويلة حكرا على الرجال. في السياق، تطلعنا كل من السيدة شاوش والسيدة عبدو عن تجربتيهما في المقاولة والأثر المباشر الذي جره إنشاء مشروعيهما على مجرى حياتهما. تقول السيدة نجاة دالي شاوش إن إنشاءها لمكتب استشارات زراعية ودراسات حول البيئة بقسنطينة في 2011 غير حياتها بصفة جذرية، لأنه حولها من عاطلة عن العمل إلى صاحبة مشروع يوظف ثلاثة أشخاص. تقول "بعد حصولي على شهادة مهندسة في الفلاحة وشهادة ماجستير في البيئة توظفت في شركة عمومية. لكن الأخيرة أفلست وأغلقت أبوابها فوجدت نفسي بين ليلة وضحاها عاطلة عن العمل". وفكرة المشروع جاءت في 2007 عندما أقرت الحكومة قانونا تفرض فيه على أصحاب المشاريع الصناعية تقديم دراسة حول أثر المشروع على البيئة، وهو ماجعل السيدة شاوش تفكر في فتح مكتب للدراسات يوفر خدماته بالخصوص للخواص. فجاء طلب الاعتماد من وزارة البيئة لفتح المكتب الذي أصبح مقصدا لأصحاب المشاريع،كما يمتد عمله إلى تقديم خدمات للفلاحين لاسيما من خلال القيام بدراسات جدوى اقتصادية-تقنية وزراعية حول نوعية الأراضي، وكذا حول الحياة النباتية والحيوانية. تؤكد محدثتنا أن الأمور تسير بصفة جيدة وإنها تعمل على التعريف بمكتبها، وجدية عملها جعلتها تستقطب عددا أكبر من الزبائن. وعن المقاولة النسوية، تشير إلى أنها بدأت تنتشر "فالنساء بدأن يتشجعن لاسيما بعد الاطلاع على تجارب ناجحة، ولأنهن أكثر جدية في العمل فنسبة نجاحهن تبدو لي أكبر". ولاتتردد في التأكيد على أن حياتها اليوم أفضل بكثير وهي صاحبة مشروع مقارنة بوظيفتها السابقة. من جانبها، تعترف السيدة زينة عبدو التي أسست شركة بفضل قرض من الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب في 2004، أن هناك عراقيل وقفت أمام تحقيقها لمشروعها لاسيما على مستوى البنك، لكنها تعتبر أن الأمر عادي وليس عائقا أمام النجاح خاصة وأن الفكرة كانت موجودة. زينة التي تابعت تكوينا في التسيير والمحاسبة اختارت أن تتعاون مع أخيها المختص في الكيمياء لانتاج مبيدات غير سامة، أي طبيعية، لاتحدث ضررا على البيئة وعلى الانسان. والجميل أن المشروع قام على أساس ابتكار قدمت بشأنه براءة لدى المعهد الوطني للملكية الصناعية. واليوم تفتخر بأنها توفر منتجات ذات نوعية جيدة لاسيما المبيدات ضد القوارض التي تقول إنها الوحيدة التي تنتج مثل هذه المواد بدون مركبات سامة. ولهذا تطمح إلى اقتحام الأسواق الخارجية التي أصبحت تطلب كل ماهو طبيعي وغير ضار أو مايسمى بالمنتجات "البيو". كما أنها تفتخر باستخدامها لمواد أولية جزائرية ولاتحتاج للاستيراد ولاتستعمل المياه ولا تنتج أي نفايات. ويمكن استخدام المبيدات في البيت أو الحقول بدون أي خوف من المخاطر. عوامل مكنت مشروعها من الفوز بالجائزة الأولى في 2011 على المستوى الوطني والجائزة الثانية في اثيوبيا نظير منتجاتها البيئية الخاصة بالزراعة والجيدة للتخزين سنة 2012. تقول "يجب إعطاء أهمية للمرأة المقاولة وتحفيز النساء على اقتحام هذا المجال. فالمقاولة سمحت لي بالاستقلالية والانفتاح على المحيط والتعرف على الناس وعلى تجارب الآخرين، وهو مايسمح لي بالتطور الدائم والبحث باستمرار عن الجديد وعدم الجمود وهو مايزيدني ثقة في النفس". للتذكير، احتضنت الجزائر في فيفري الماضي المؤتمر الرابع لمنظمة المرأة العربية الذي خصص أعماله لموضوع المقاولة النسوية، إذ دعا في ختام الأشغال إلى بناء قاعدة بيانات تشمل الأسواق المالية الوطنية والإقليمية وقوانين الاستثمار في البلاد العربية وبيانات عن المقاولة النسائية. ولتسهيل المبادرات النسائية في هذا المجال، أوصت المنظمة بتأسيس نظام تمويلي عربي متكامل لمساعدة ودعم المقاولات المنشأة حديثا. وشددت على أهمية إدخال مفاهيم ريادة المقاولة في البرامج والمقررات الجامعية، وربط الطالبات بها من خلال التدريب الميداني في المؤسسات الرائدة، وتعزيز التكوين المعرفي في مجال التسويق والعلاقات العامة للترويج للمشاريع النسائية، مؤكدا على ضرورة تشجيع المرأة على الارتباط بالتكنولوجيات الجديدة للتخفيف من حدة الفجوة الرقمية ومحو الأمية الإلكترونية لدى المرأة باعتبار أن لذلك علاقة وطيدة بتطور المقاولة النسائية.