عندما قرر الدكتور مزيان وناس أخصائي في علم النفس العيادي من جامعة باتنة القيام ببحثه حول إدمان الشباب على الإنترنت، وقف على توافد نفس الوجوه على نوادي الإنترنت التي أجرى بها المعاينة، فقرر معرفة الأسباب من خلال بحث عرض نتائجه في ملتقى أقيم مؤخرا بالعاصمة. يقيم الدكتور مزيان بقرية صغيرة، وبعد أن لاحظ توافد الشباب اليومي على نوادي الإنترنت، رغب في معرفة الأسباب التي دفعتهم إلى التعلق بهذه النوادي؛ حيث طرح إشكالية: كيف تؤثر الإنترنت على حياة الشباب بصفة عامة؟ وما الذي يدفعهم إلى التردد عليها؟ وهل بلغوا درجة الإدمان؟ وفي حديثه إلى “المساء” قال: “اخترت في بحثي عشرة أفراد من القرية التي أقيم بها بولاية عنابة، حيث وزعت عليهم استبيانا، ومن خلال الإجابة تَبين لي أن من بين العيّنات العشر هناك شخصان يعانيان حالة إدمان على الإنترنت، هذان الشخصان عملت معهما كمرجع للإجابة على إشكاليتي”. «تَبين لي (يقول محدثنا) أن العيّنة الأولى دفعها الفضول إلى معرفة ما تؤمّنه شبكة الإنترنت من معطيات، أما العيّنة الثانية فكان ترددها على النادي بدافعٍ من صديق له، دعاه إلى الاطلاع على ما تحويه الشبكة من معلومات ومواقع مغرية، وفي النتيجة فإن بعض الحالات تتوافد على نوادي الإنترنت لقضاء بعض الوقت لا يتجاوز الساعة أو الساعتين، ومع الأيام تعودت عليها وأصبحت تمضي معظم الوقت بها إلى درجة الإدمان”. ويشير الأخصائي إلى أن من بين الآثار المترتبة على إدمان نوادي الإنترنت تدهور العلاقات الأسرية، لا سيما أن إحدى العيّنات شخص متزوج؛ الأمر الذي تَسبب له في العديد من المشاكل؛ حيث اتهمته زوجته بأنه متزوج من امرأة أخرى؛ بالنظر إلى الوقت الطويل الذي يمضيه بالنادي. أما عيّنة أخرى فقد أهملت رعاية والديها المسنين؛ لكثرة ترددها على نادي الإنترنت، كما أدى تعلقها بالمواقع الإباحية إلى ممارسة العادة السرية. وفي رده عن سؤالنا حول المعايير التي نعرف من خلالها أن الفرد بلغ درجة الإدمان على الإنترنت، جاء على لسان محدثنا أن ذلك يظهر من خلال الحاجة الملحة على التواصل مع الشبكة العنكبوتية، إلى جانب أنه يمضي وقتا طويلا في تصفّح المواقع، قد تزيد عن 40 ساعة في الأسبوع وارتباطه الوثيق بالإنترنت؛ بدليل أنه يشعر بالوحدة كلما ابتعد عنه، كما يشعر أنه لا ينتمي إلى مجتمعه الفعلي إلى درجة أنه يضطر للاستدانة حتى لا ينفصل عن مقاهي الإنترنت. ويرى الأستاذ مزيان أن الإدمان على الإنترنت يُعتبر من السلوكات الدخيلة التي ضيّعت العلاقات الاجتماعية بمجتمعنا؛ “إذ نجد الشباب يحبّذون فكرة الانطواء مع الكمبيوتر لفترات طويلة، وتشكيل صداقات افتراضية يتواصلون معها، إلى جانب التأثر الكبير بالمواقع الإباحية والخليعة، التي جعلت بعضهم يتأثرون بما يشاهدونه ويحاولون تطبيقه على حياتهم الخاصة؛ بدليل أن إحدى العيّنات المدروسة كان يحاول تطبيق ما يشاهده من تصرفات خليعة على زوجته، يقول الأستاذ، مضيفا أن الإدمان على الإنترنت وتحديدا المواقع الإباحية، متغيّر سلبي ولديه نتائج وخيمة على الصحة النفسية للفرد. ويعتقد الأخصائي العيادي أن الحد من ظاهرة الإدمان على الإنترنت تكون بتفعيل آليات الرقابة من المشرفين على نواديها، غير أن هذا الحل يظل غير كاف، حسب الدكتور مزيان، الذي يرى أنه بعد حديثه إلى بعض أصحاب نوادي الإنترنت حول إمكانية المراقبة وحجب المواقع الإباحية، تَبيّن له أن الأمر غير ممكن؛ بالنظر إلى أن بعض الشباب يعرفون كيف يزيلون ذلك؛ “من أجل هذا اقترحت كأخصائي عيادي مهتم بمحاربة ظاهرة الإدمان على النت ضرورة إبقاء أجهزة الكمبيوتر مكشوفة؛ بحيث يتعذر على متصفح الشبكة العنكبوتية الإبحار في مثل هذه المواقع، وإن كان هذا الحل لا يرضي أصحاب بعض النوادي من الباحثين عن الربح المادي”. من جهة أخرى، يبرّر الدكتور مزيان إدمان شريحة المعوّقين وكذا كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة، على نوادي الإنترنت؛ من منطلق الخروج من حالة العزلة التي يعيشونها بسبب رفض المجتمع التواصل معهم وتهميشهم، وبالتالي يبحثون عن تحقيق ذواتهم، وفي هذه الحالة يُعتبر الإدمان متغيرا إيجابيا، فقط لا بد لهم أن يظلوا بعيدين عن المواقع الإباحية.