سيشهد قصر الباي بقسنطينة العديد من عمليات التهيئة والتحديث، حيث تم إعادة دهن أروقة القصر بألوان متنوعة وفق طريقة فنية تحاكي فترات التاريخ الإسلامي وتنقل الباي إلى البقاع المقدسة، كما سيتم تزويد هذا القصر بكاميرات مراقبة حديثة داخل وخارج المعلم، إلى جانب أجهزة إنذار الحريق وأجهزة إنذار أي تسلسل دون ترخيص، بميزانية تبلغ حوالي خمس ملايير سنتيم. وفي هذا السياق، قال مدير الثقافة بقسنطينة، السيد جمال فوغالي، أن عملية تهيئة القصر، وبالضبط إعادة تزيين جدران القصر وإعطائها الألوان الزاهية، ستعيد الحياة لهذه الجداريات التي تسلط الضوء على زمن ولىّ، وحقبة نقشت حروفها بأحرف من ذهب على مسار التاريخ المحلي، الجهوي وحتى العالمي. وأضاف أن هذه العملية ليست سهلة، إذ ستشمل إعادة الاعتبار لأعمدة الارتكاز، الأبواب والمخلفات الأثرية الحجرية والرخامية من عهد الباي أحمد، وهي آخر مرحلة لعملية الترميم، مشيرا إلى أنه سيتم الاستعانة بأصحاب الخبرة الكبيرة من المهندسين من أصحاب المهارات العالية، الذين يحملون في طياتهم روحا فنية. وحسب مدير الثقافة، فإن أشغال إعادة الاعتبار لجداريات قصر أحمد باي الذي تحول مؤخرا، بقرار وزاري، إلى متحف للفنون والتعابير الثقافية، لن تتوقف مع تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، بل ستكون الأشغال جارية بشكل طبيعي ولن تؤثر على زيارات الوفود لهذا المعلم التاريخي الذي يعكس أبرز المعالم التي تؤرخ للوجود العثماني بقسنطينة، والذي شهد محاولة طمس كبيرة لمعالم الزخرفة الإسلامية والسيراميك من طرف السلطات الاستعمارية التي حولته إبان الاستعمار إلى مقر إداري لجنودها، وحاولت إضفاء الطابع الأوروبي عليه. تعود فكرة إنشاء هذا المعلم، حسب الدارسين والمؤرخين، إلى عهد أحمد باي بن محمد الشريف الذي حاول نقل تأثره بفن العمارة الإسلامية أثناء رحلته إلى البقاع المقدسة، إلى أرض الواقع وتجسيده ببناء قصر يكون مقرا لحكمه، وفي هذا السياق، انطلقت الأشغال بالقصر سنة 1825 على مساحة تقدر بحوالي 1600 متر مربع، لتنتهي الأشغال سنة 1835، وقد خطط للقصر بأن يكون واسعا ويتميز بدقة في توزيع أجنحته بشكل هندسي متساوي الأبعاد. يشمل الطابق الأرضي للقصر عدة حدائق وفناءات رحبة، كان الباي أحمد يستمع فيها إلى هموم وانشغالات سكان المدينة، كما يضم القصر 121 غرفة و500 باب ونافذة مصنوعة من خشب الأرز المنقوش بمهارة، والمطلي بالألوان الفاتحة الحمراء، الخضراء والصفراء. ويمكن للمتجول في أروقة القصر، أن يشاهد ما لا يقل عن 30 رواقا من أجل تهوية مختلف أرجاء القصر، كما تشمل البناية حوالي 250 عمودا مصنوعا من الرخام الأصلي الذي جيء به من مختلف المناطق المتوسطية، ويحيط بالفناء الرئيس الذي كان يدعى فناء “أم النون” نسبة لوالدة الباي أحمد؛ 5 أقواس تقابلها حدائق مفتوحة على السماء لاحتضان الطبيعة، فيما يتوسط حوض كبير وسط هذا القصر. ويقال أن نساء أحمد باي كنّ يستجممن ويستمتعن في الحوض بالمياه الباردة المتدفقة من أعلى البناية، إذ كانت في الغالب تصب كشلالات، تمتد مياهها إلى أسفل القصر وتتجمع في حوض كانت تعيش فيه بعض الأسماك، أما الطابق العلوي من القصر، فيؤدي إلى فناء كبير عبر أروقة ذات أقواس وشقق، وهو شبيه بالطابق السفلي الذي يضم غرفا رحبة بجوارها حمام بهندسة مغاربية كان مخصصا للباي ونسائه، حيث تشير بعض المخطوطات إلى أن أحمد باي أصرّ على أن تكون غرف القصر كلها متشابهة، وربما ما يميز هذا الطابق العلوي هو وجود غرفة فاطمة ابنة أحمد باي، التي تبدو للعيان أنها مختلفة عن باقي الغرف.