ظلّت”المقاومة” اللسان المعبّر عن جيش وجبهة التحرير الوطني، قبل أن تقرر جبهة التحرير الوطني توقيفها في مؤتمر الصومام وتحويلها إلى جريدة المجاهد، التي أصبحت اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني. صدرت ”المقاومة” في أماكن مختلفة خارج الوطن، فالطبعة الأولى صدرت في تطوان بالمغرب، والثانية في باريس والثالثة في تونس وكل الأعداد صدرت من 1955 حتى سنة 1956 وكانت تدخل إلى الجزائر خفية عن طريق المناضلين، ولم يكن التنسيق قائما بين الطبعات الثلاث نظرا لظروف الثورة والسرية في العمل.وقد كلف الشهيد ”عبّان رمضان” بتأسيس هذه الجريدة بطلب من قيادة الثورة، حيث أشرفت على هذه الأعداد الكثير من الأسماء الثورية والمناضلين، منهم محمد صادق المعروف بمحيي الدين وحسين المدعو ”سي سليم” وكذا علي هارون، هذا الأخير الذي أشرف على النسخة التي تصدر بتطوان والتي كلفه بها الراحل محمد بوضياف، عقب اجتماع بينهما في العاصمة مدريد. نسخ الجريدة كانت تشبه المناشير وكانت تطبع بوسائل متواضعة بمطبعات قديمة، إحداها كانت ترجع إلى سنة 1850، أمّا الرقن فقد كان أحيانا يوكل إلى أجانب لا يعرفون الفرنسية كي لا يطّلعوا على محتواها، الأمر الذي حدث مع الإسبان، أما الورق فقد استعمل ورق التبغ. للإشارة، فإن أغلب الأعداد مشكلة من صفحتين، وكانت توزع على شكل منشورات وكانت ترسل إلى الجبال ولقيت الترحيب من كل الجزائريين الذين كانوا يبعثون بمساهماتهم تلقائيا. تميزت ”المقاومة” كونها جريدة جامعة تنقل أخبار الثورة من كل أرجاء الوطن، وتتحدث باسم الجزائر ككل، أي أنها كانت صحيفة وطنية بمعنى الكلمة، رغم ضعف الإمكانيات والتجربة الإعلامية، لكنها كانت متمكنة في الدفاع عن مبادئ الثورة وأهدافها لفك الحصار الإعلامي الذي فرضه العدو. قبل ”المقاومة” كانت هناك نشريات، لكنها كانت محلية منها ”الوطن” بالأوراس ثم ”الجبل” و«النهضة” و«صدى التيطري” و«حرب العصابات” و«صدى الصحراء”، لكنها توقفت بعد صدور ”المقاومة”. يذكر، أن بيان أول نوفمبر كان بمثابة النشرية الأم التي دعت الجزائريين إلى الجهاد، لتتوالى بعده البيانات والنشريات هنا وهناك، تهدف كلها إلى تجنيد الشعب وتوحيد الصفوف. وعناوين هذه النشريات - كما سبق ذكره - متعددة تعدد قيادات الولايات والمناطق. للإشارة، فإن طبعة ”المقاومة” بباريس كانت تستهدف المهاجرين، إضافة إلى استهداف المجتمع الفرنسي، لتنويره بحقيقة المعركة التحريرية الدائرة في الداخل الجزائري. كانت هذه الطبعة بحكم المكان تصدر بالفرنسية، وكان أسلوبها ثوريا وإنسانيا، في آن خاطب أحرار فرنسا الذين ضاقوا مرارة النازية. أما الطبعة الثانية من ”المقاومة”، فقد كانت تصدر بالمغرب الشقيق (تطوان) وتحمل شارة طبعة ”ب” تحت إشراف السيد بوضياف وعلي هارون، هذا الأخير الذي سلم للأرشيف الوطني نسخا بلغت 31 عددا، بهدف تصويرها أيضا وتوزيعها على المكتبات. أما الطبعة الثالثة وتسمى طبعة ”ج”، تصدرت بتونس وكانت تطبع في مطبعة صغيرة بنهج المفتي قرب الزيتونة المعمور، صدرت أعدادها الأولى باللغة العربية وكانت نصف شهرية. كانت المقالات تصفف حرفا حرفا ثم كلمة كلمة ثم سطرا سطرا ففقرة فقرة، كما كان السحب يتواصل صفحة صفحة يتم في النهاية جمعها وطيّها عددا بعدد. ميزة هذا النوع من الطبع، هو أن الصفحات تمتاز بالنظافة والدقة كما تبدو الصور المطبوعة كأنها الأصل، غير أن عامل الزمن لم يكن في صالح هذا الأسلوب، الذي يمكن أن يعتبر أقرب إلى الأسلوب البدائي منه إلى العصري. المشرف على الطبعة ”ج” (تونس) كان عبد الرزاق شنتوف المحامي، وكانت أسرة التحرير مكوّنة من عبد الرحمن شيبان، محمد الميلي، محمد الصالح الصديق والأمين بشيشي، الذي كانت مهمته سكرتارية التحرير والإشراف على الإخراج والطبع. الطبعة ”ج” من ”المقاومة” شملت مآثر الثوار في الميدان، كما كانت غنية بالتعاليق والتحاليل السياسية، إضافة إلى الوجوه المشرفة من الرجال والنساء عبر تاريخنا الوطني، كما نجد على صفحاتها قصصا من الواقع الثوري تخلد مآثر المجاهدين والمجاهدات. الإيجابي في هذه الطبعة خلافا للطبعة ”أ” و«ب”، كون أعدادها جمعت بكاملها في شكل سجل قريب من شكل الجريدة الأصلي حجما، وقد صدرت مجموعة ”المقاومة” طبعة ”ج” عن وزارة الثقافة والإعلام بمناسبة الذكرى ال30 للثورة عام 1984. هكذا يتبين أن الثورة منذ بدايتها علمت أن الكفاح المسلح وحده لا يكفي لإسماع صوت الجزائر ونيل حقوق شعبها، لكن يتطلب الأمر معركة إعلامية تدحض الدعاية الاستعمارية في الداخل والخارج، وجاءت ”المقاومة” لصدّ هذا الفراغ لتسمع صوت الجزائر، وتكون لسان حال ثورتها ينطق بإنجازات جيش التحرير وبالانتصارات السياسية وفضح جرائم فرنسا.