96 عاما تمر على وعد بلفور المشؤوم، الذي بدأت معه مأساة ونكبة الشعب الفلسطيني، الذي قتل وعذب أبناؤه وهجرت وشتت عائلاته وسلبت منها بيوتها وأراضيها ولا زالت تبعاته الكارثية مستمرة إلى اليوم. ووعد بلفور هو تلك الرسالة الملعونة التي بعث بها آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانية ذات الثاني من نوفمبر سنة 1917 ليطمئن اليهود بمساعدتهم على تأسيس وطن قومي لهم على أرض فلسطين الواقعة آنذاك تحت الانتداب البريطاني وسرعان ما تبنتها الدول الغربية العظمى لتتحول في ظرف سنوات قليلة إلى حقيقة مؤلمة. وهو ما فتح الباب بعد أشهر قليلة فقط لمجموعات اليهود القادمة من مختلف أنحاء العالم لتستوطن أرضا ليست ملكها وبيوتا ليست من حقها على أشلاء جثث آلاف الفلسطينيين الذين ارتوت ارض فلسطين الجريحة بدمائهم لتبقى شاهدة على مأساة شعب لا يزال يعاني ويكافح لاستعادة حقه المسلوب. ويكون وعد بلفور بذلك قد نزع وبقوة الحديد والنار الحق من أصحابه وأعطاه لعصابات إرهابية صهيونية أحدثت انقلابا جغرافيا وسياسيا في كل منطقة الشرق الأوسط محيت على إثره كلمة فلسطين من الخارطة الجغرافية واستبدلت بكيان إسرائيلي مقيت. وتعود الذكرى اليوم وحال الفلسطينيين نفسه بل تصاعدت الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية لتشمل كل شيء فلسطيني من إنسان وشجر وارض ومقدسات. فهاهي مدينة القدس تهود تدريجيا وتضرب في قلب هويتها العربية والإسلامية الأصلية بمخططات تهويدية واستيطانية غيرت من طبيعتها الديمغرافية والعمرانية بعدما استقوى العنصر اليهودي على السكان الفلسطينيين أهل الأرض والديار والذين أصبحوا غرباء في موطنهم. وها هو المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يستنجد ويطلق صرخة استغاثة علها تجد أذانا صاغية من عالمين عربي وإسلامي لا يحركان ساكنا لنصرة مسرى النبي عليه الصلاة والسلام من بطش اليهود المتطرفين الذين يتربصون به يوميا ويسعون جاهدين لتحويله إلى مكان عبادة خاص بهم بإقامة ما يسمى "هيكل" سيدنا سليمان المزعوم. أما الحرم الإبراهيمي فهو الآخر قسم إلى جزأين وحتى الجزء الذي خصص للمسلمين هم مهددون اليوم بفقدانه بعدما أصبحت سلطات الاحتلال لا تجد أي حرج في غلق الحرم الإبراهيمي في وجه المصلين الفلسطينيين عندما يتعلق الأمر بإحياء الأعياد الدينية اليهودية التي لا تنتهي مما يسمى بعيد الفصح إلى عيد الغفران وغيرها... وما زاد الطينة بلة، وعود أمريكية بمساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم المستقلة، لكن عبر تبني خيار المفاوضات التي سبق وأثبتت فشلها طيلة سنوات مضت وليس عبر تطبيق شرعية دولية واضحة في إلزام إسرائيل على الإيفاء بتعهداتها إزاء القضية الفلسطينية.