عادت الحملة المغربية الشرسة على الجزائر بعض أدراجها في سياق مراجعة الحسابات وتدارك التهور الذي ميز التصعيد الإعلامي المغربي الأخير لدرجة أنه طال المقدسات الوطنية والتي سبقها استدعاء السفير المغربي من قبل بلاده لبضع سويعات، قبل أن يعود لاستلام مهامه بعد أن تأكدت الرباط بأن الموقف الجزائري الرزين والحكيم، لم يكن إلا ليوقعها في الفخ، بل إن التطورات التي أعقبت الأزمة ما فتئت أن تفضح جسامة أخطاء الدبلوماسية المغربية التي تبين أنها لم تبلغ بعد درجة النضج. ويظهر من خلال تراجع حدة هذه الحملة أن المغرب قد تيقن أخيرا بأنه يدور في حلقة مفرغة، وأنه يكرر أخطاءه السابقة دون الاتعاظ بها، بل يلاحظ بشكل جلي بأنه يصر على السير في نهج الاستفزاز الذي لم يزده سوى حصد خيبات الأمل التي أضحت تلازمه عندما يحاول أن يتجاسر على الأعراف والقوانين الدولية، من خلال الدوس على حقوق الشعب الصحراوي رغم تصنيف منظمة الأممالمتحدة قضيته ضمن قضايا تصفية الاستعمار، أو حتى بالتطاول على الرموز الوطنية بعد الحملة التحريضية التي عمد المخزن إلى ترويجها بعد الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، إلى ندوة ابوجا، حول دعم الشعب الصحراوي والتي ضمنها ضرورة مراقبة وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. ولم تجد الحملة الإعلامية المغربية أي سند لتبرير تهجمها على الجزائر بل حاولت الإيهام "بأن الجزائر اصطنعت العداء بعد أن لاحظت تنامي الموقف المغربي على مستوى دول الساحل"، وهو أمر غير منطقي حاولت صحافة المخزن الترويج له رغم أنه سبق لوزير الخارجية، السيد رمطان لعمامرة، أن أكد على هامش جولته إلى دول الميدان نهاية أكتوبر بأن ذلك مجرد زوبعة في فنجان. ضف إلى ذلك، فإنه لا أحد ينكر الثقل الاستراتيجي الذي تمثله الجزائر في المنطقة باعتراف دول الميدان نفسها التي تراهن على الدور الأساسي لبلادنا في معالجة مشاكل المنطقة، وكل ذلك لم يأت صدفة بل جاء نتيجة سنوات طويلة استثمرت فيها الجزائر جهودها من أجل التكفل بانشغالات دول الساحل، سواء بتقديم الدعم المالي أو التقني في مواجهة ظواهر كالإرهاب والجريمة المنظمة والمتاجرة بالمخدرات وحتى حل الخلافات القبلية بين الطوارق. ولم يكن هذا الاهتمام وليد اليوم بل أن الجزائر كثيرا ما أدرجت في إطار تعزيز الشراكة مع دول الجوار مشاريع تنموية حيوية والتي بدأت بفكرة طريق الوحدة الإفريقية خلال السبعينيات، من أجل تكريس التواصل مع هذه الدول، كما لم تدخر جهدا في تقديم مساعداتها المالية لصالح المناطق الفقيرة في سياق تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية. ومن هذا المنطلق تبدو مبررات المخزن غير مقنعة البتة بل إنها تعكس الإحباط الذي يلازم الدبلوماسية المغربية التي يبدو أنها أوكلت مهمة تسييرها لهواة لا يفقهون أصول التعامل الدبلوماسي مع الجيران دون احترام روابط الأخوة والتاريخ المشترك، ودون احتساب العواقب وفق مقولة "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها". وكأنه كتب على الجار الشقيق أن يتجرع مرارة الفشل وجر خيبات الأمل المتلاحقة على ضوء استراتيجية غير واضحة الملامح، يطغى عليها الحقد الذي تكون نهايته اليأس، وذلك في ظل محاولاته المتكررة لاستقطاب أنظار المجموعة الدولية وكسبها في صفه وفق طروحاته التي تهدف إلى عدم الاعتراف بحقوق الشعب الصحراوي، غير أن الخرجة الأخيرة لم تزد سوى في حيرة المتتبعين لملف العلاقات الجزائرية- المغربية، في الوقت الذي كان فيه الجميع يأمل انفراجا قريبا. كما يفترض على الرباط التي تعودت على تحويل الأنظار عن القضايا الجوهرية أن تفكر جيدا قبل الإقدام على أي سلوك قد ينعكس عليها حتما بالسلب، من خلال ترتيب الأمور وتغليب المنطق في التعاطي مع القضايا، ولن يتأتى ذلك إلا بتسليم زمام تسيير ملف العلاقات الثنائية لمحنكين دبلوماسيين غير متهورين يمتلكون بعد نظر إزاء الأمورويميلون الكفة لصالح حل المشاكل بطريقة عقلانية وحكيمة. وعليه لزم على البلد الشقيق أن يصحح الهفوات التي مازالت تصحب الممارسات الاندفاعية لدبلوماسيته وفق استراتيجية واضحة المعالم، لا يكون همها البحث عن منافذ جديدة لتبرير الفشل الذي كثيرا ما يعلق على مشجب الجزائر، من منطلق أن الخرجات الهستيرية للدبلوماسية المغربية تحمل في طياتها بذور فشلها.