أكد مصدر دبلوماسي ل"المساء" أن الحملة المغربية الشرسة ضد الجزائر جاءت بهدف التشويش على الزيارة المرتقبة لكاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية، السيد جون كيري، إلى بلادنا، مشيرا إلى أن المبررات التي يتحجج بها الطرف المغربي عقب الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، إلى الندوة الإفريقية للتضامن مع كفاح الشعب الصحراوي بأبوجا النيجيرية، الأسبوع الماضي، لم تجدد سوى موقف الجزائر المساند لحقوق الشعب الصحراوي. وقال المصدر إن المملكة المغربية في موقف حرج بعد التطورات التي عرفتها القضية الصحراوية لاسيما بعد مطالبة الجزائر بضرورة إرسال مراقبين لحقوق الإنسان إلى منطقة الصحراء الغربية، حيث سبق لجبهة البوليساريو وأن دعت إلى منح بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية صلاحية مراقبة حقوق الإنسان على نحو مستقل، غير أن المملكة المغربية رفضت الفكرة. كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد قدمت، منتصف أفريل الماضي، مسودة قرار تتضمن مراقبة حقوق الإنسان في مدن الصحراء الغربية ومخيمات تندوف. ومعلوم أن كاتب الدولة الأمريكي يقف وراء مسودة القرار التي تظل معلقة بسبب رفضها من قبل فرنسا، كما انه سبق لكيري أن قد وقع رفقة مجموعة من أعضاء الكونغرس على وثيقة تطالب إدارة جورج بوش سنة 2001 باحترام تقرير المصير في الصحراء، في الوقت الذي يشدد فيه على حقوق الإنسان في أجندته الدبلوماسية. وهي الطروحات التي تتبناها أيضا مؤسسة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان، التي تضغط على أعضاء في الكونغرس الأمريكي لتبني طرح الشعب الصحراوي وجبهة البوليساريو، كما تحركت على مستوى أعضاء مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لإقناعهم بالتصويت. وكانت واشنطن ترفض في الماضي إدخال حقوق الإنسان في قرار الأممالمتحدة، لكن هذه المرة تقوم بذلك بعدما طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بضرورة مراقبة مستقلة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وجاء في الفقرة 116 من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الموجه إلى مجلس الأمن يوم 8 أبريل الماضي "نظرا إلى التقارير المتواصلة حول انتهاكات حقوق الإنسان، فإن الحاجة إلى رصد مستقل وحيادي وشامل ومستمر لحالة حقوق الإنسان في كل الصحراء الغربية ومخيمات تندوف تصبح أكثر إلحاحا". والموقف الأمريكي المتخذ هذه المرة يشبه نوعا ما الموقف الذي كانت قد اتخذته إدارة جورج بوش في مجلس الأمن سنة 2003 عندما كادت أن تفرض على المغرب مشروع جيمس بيكر الذي ينص على حكم ذاتي لأربع سنوات ثم الانتقال إلى تقرير المصير. كما جاءت الحملة العدائية للمغرب على الجزائر بعد الزيارة التي قام بها المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، السيد كريستوفر روس، مؤخرا إلى المنطقة ولقائه بالمدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان الذين طالبوه "بضرورة الإسراع في إحداث آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين، تعزيزا لمطلب توسيع إجراءات تبادل الثقة". وكانت الحكومة المغربية قد انتقدت، في بداية شهر أكتوبر أيضا، تقريرا موجها إلى الكونغرس أعدته وزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، ووصفته بأنه "منحاز واختزالي وغير متوازن". وأعدت الخارجية الأمريكية التقرير بناء على طلب من الكونغرس لتبرير المساعدات العسكرية للمغرب، بمقتضى قانون صودق عليه في ديسمبر 2011 يتحدث عن حقوق الإنسان في الدولة التي تقدم لها المساعدة العسكرية. ومن جهة أخرى، أشار المصدر الدبلوماسي إلى أن الدبلوماسية المغربية مازالت تحصي إخفاقاتها وانه لم يسبق لها أن شهدت فشلا ذريعا بهذا المستوى، موعزا ذلك إلى غياب النضج في التعاطي مع الأحداث بالرباط لاسيما فيما يتعلق بطريقة تسيير ملف العلاقات الجزائرية المغربية والتي يفترض أن توكل لمحنكين دبلوماسيين. ونذكر في هذا الصدد أن طريقة تسيير ملف العلاقات الجزائرية يشهد تباينا كبيرا في توجهات الدبلوماسية المغربية، ففي الوقت الذي يتمسك فيه طرف بضرورة إضفاء الليونة في التعاطي مع هذا الملف، نجد أن طرفا آخر يفضل التصعيد الذي لم يحصد سوى خيبة الأمل، لدرجة انه داس على الأعراف الدولية بتحريضه عن قصد أو غير قصد على الاعتداء على مقر القنصلية العامة بالدار البيضاء المغربية والمساس بالراية الوطنية عشية الاحتفال باندلاع الثورة التحريرية الجزائرية المظفرة. وفي الوقت الذي كنا نعتقد فيه بان الدبلوماسية المغربية ستعمل على تدارك هذا السلوك غير الحضاري من خلال تقديم الاعتذار للشعب الجزائري، اكتفى سفير المغرب بالجزائر، عبد الله بلقزيز، بالتأسف ووصف هذا العمل بغير المقبول. وحرصت الجزائر على استدعاء السفير المغربي نفسه وليس القائم بالأعمال الذي استلم مهام السفير الذي كانت الرباط قد استدعته كرد فعل على خطاب رئيس الجمهورية حول حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وذلك من أجل دفع المغرب لتحمل مسؤولياته كاملة والتذكير بان السلطات المغربية ملزمة بموجب المادة 31 من اتفاقية فيينا حول العلاقات القنصلية باتخاذ التدابير اللازمة لحماية المقرات القنصلية والحيلولة دون اقتحامها.