كان المهتمون بمجال تنظيم المرور وأمن الطرقات ينتظرون تحسّن الوضعية وانخفاض فاتورة ضحايا الحوادث المرورية، عندما تحسنت حالة الطرقات التي أنفقت عليها الدولة الملايير ولاتزال، بل وراهن المهتمون بقطاع السير على تسجيل نتائج إيجابية بعد تجديد حظيرة السيارات؛ بفرض المراقبة التقنية على المركبات بشكل دوري منتظم، ولكن الأمور صارت عكسية تماما، وخيّبت ظنون وتخمينات المحللين. والمحيّر في هذه المعادلة الصعبة ذات الأطراف المعروفة، أن المجهول فيها هو تلك التصرفات الخطيرة التي تصدر عن السائق رغم جودة الطريق وحداثة المركبة وملاءمة العوامل الطبيعية، ورغم حملات التحسيس والرّدع وصور المعوقين. ما تُزهقه الطرق من أرواح وما تخلّفه من مآس اجتماعية وما تتركه من خسائر على قطاعات أخرى، يجعلنا نقف وقفة تفتيش عميق عن مصدر الخلل الذي لا يوجد إلا في الإنسان، الذي صار، بحق، في حاجة ماسة إلى ”مراقبة نفسية” لتحديد عدوانية السير، ومخالفات المرور وأخطاء التعامل مع المركبة في الطريق العمومي. هذه الفكرة، وعلى بساطتها، طرحتُها خلال ندوة صحفية حول حوادث المرور، فقلت حينها لرئيس جمعية ”طريق السلامة” المعروف ب ”الشرطي المخفي”: ”مادامت الدولة فرضت إخضاع المركبات للمراقبة التقنية لتحديد مواقع الخلل، فلماذا لا تفرض إخضاع سائقي المركبات لتحديد مواقع الخلل في الذهنية والبرمجة العصبية للشخص؟!”، وهو مربط الفرس.