الكل يعلم مدى تغلغل آفة البيروقراطية في مختلف الإدارات، رغم ما تم توفيره من هياكل وتجهيزات، ولا أحد منا ينسى صور الطوابير وذكريات التماطلات والتسويفات الإدارية التي تخرج كلها من مشكاة واحدة، وهي آفة البيروقراطية، التي أرغمت الدولة على تخصيص "وزارة بأكملها" من أجل إزالتها أو حتى التخفيف من حدتها. ولعل الإرادة السياسية تستطيع اختصار الجهد والوقت والاستجابة لمتطلبات المجتمع أفضل من الحملات المناسباتية والخطابات الرنانة، والمبادرات المحتشمة وهو ما تجسد فعلا، في انتظار لمس بواكير ثماره التي بدأت مؤشراتها تظهر من خلال "حالة التململ" التي استشرت في دواليب الإدارة بعد التعليمات الصارمة الصادرة عن وزير الداخلية والجماعات المحلية وكذا وزير إصلاح هياكل الخدمة العمومية. وقد يكون المثال الشعبي قد تحقق في هذا الشأن والذي يقول "ضربة بالفاس، ولا عشرة بالقادوم" في إشارة إلى تجسيد الإرادة السياسية بدل المبادرات المتقطعة، ولولا ذلك لبقيت الأمور على حالها، ولبقيت مختلف المشاريع تكبلها أذرع هذا الأخطبوط الذي لا يسلم منه أحد. وبلا شك فإن سياسة إصلاح الخدمة العمومية ستخرج العديد من الموظفين المتكاسلين أو الاتكاليين أو حتى "البزناسيين" الذين يرمون سنارة البيروقراطية ليصطادوا بعض من يدفعونهم إلى توفير المقابل رغم أنهم يتقاضون مقابلهم "الشرعي" من الإدارة. وسوف تكون سياسة إصلاح الخدمة متنفسا للعاملين الجديين الذين "يحللون" رزقهم ولا يمارسون مختلف الطقوس البيروقراطية التي تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف مثل أولئك الذين يهملون واجباتهم وينفقون أوقاتهم خارج ساعات ما يتقاضونه من أجر كما ستكون النتيجة، إن تم تجسيد الأمور على ما يرام، مخرجا لأمهات المشاكل التي تعصف بالاقتصاد وتعرقل مختلف البرامج الاجتماعية والثقافية.