تحول رواق عائشة حداد إلى فضاء طبيعي يسوده الزهر والاخضرار وتحيطه الموانئ الغنية بسفنها الراسية المستعدة دوما للإبحار، انه المشهد الجميل الذي اختاره الفنان المبدع البحار توجي بشير ليحمل للجمهور عبق الطبيعة وحنين المراسي وجميل الذكريات. المعرض الذي تستمر فعالياته إلى غاية 10 ديسمبر القادم ما هو إلا تثمين لطبيعة الجزائر الخلابة وسرد مصور لبعض رحلات هذا الفنان البحار الذي تملكه الحنين لأمكنة تركت وشما في مخيلته ووجدانه فأبى إلا أن يشاركه مع الجمهور. تتوالى لوحات الفنان بشكل فائق الجاذبية وذلك من فرط الألوان والأضواء بكل تدرجاتها ابتداء من لوحة"بائعة الزهور" التي تظهر فيها مدينة أوروبية مطلة على المتوسط تباع فيها الورود والأزهار في شكل بسيط تماما كما قطفت من الطبيعة مع حضور ملفت للألوان الزاهية ليس فقط بالنسبة للنباتات الجميلة وإنما أيضا للأشخاص التي تختفي تفاصيل ملامحهم لتعوض بالألوان والأضواء، كذلك الحال بالنسبة للوحة "سوق برشلونة" الذي تعج فيه الألوان تماما كما تعج حركة المارة علما أن الألوان الفاتحة هي السائدة بفعل الإضاءة. لوحة"شقائق النعمان"يتفجر فيها اللون الأحمر وسط المروج والبيوت العتيقة المرتمية في أحضان الطبيعة الربيعية، في لوحات أخرى تكاد الطبيعة تلتحم حيث تكاد التضاريس تمتد إلى السماء كما في لوحة "الجبل"، بينما في "الطبيعة الخيالية"يضع الفنان بصمته الخاصة إذ يستعمل الألوان الداكنة خاصة الأحمر المائل إلى السواد الذي يبسطه على العشب ليبدو هذا الأخير وكأنه واد من جهنم تقابله بيوت تلفها الظلمة، قد يكون القصد انه كلما دخلت يد الإنسان الطبيعة إلا وأفسدتها. لوحات الزهور تمتد في تناغم وكأنها تكمل بعضها البعض تنتشر بها الألوان وتتفتق بعضها كما هو الحال في لوحة "الربيع" تحاول أن تمتد إلى السماء في حين تتنافس هذه الزهور كي تتحدى الأشجار كي تزيحها من المشهد مثلما هو مصور في لوحة "الزهور المتوحشة"، زهور ونباتات أخرى أكثر تواضعا وهدوءً في "باقة ورد" لا يهمها سوى استعراض جمالها للآخر. اهتم الفنان في معرضه بإبراز طبيعة مدينتة دلس الساحلية التي جمعت بين زرقة البحر واخضرار الريف مع استحضار تقاليدها في الزراعة و في الصيد وفي صناعة السفن التقليدية. تبرز اللوحات حياة الصيادين مع البحر وكيف أنهم يتحملون الأهوال وهم يصارعون الأمواج في العواصف وهنا يظهر الفنان اليابسة والبحر والسماء وأنها امتداد واحد نتيجة غضب الطبيعة فالأمواج تبدو صاعدة للسماء الملبدة واليابسة بلون داكن العشب والنبات في حالة هيجان متواصل، أما لوحات أخرى فتبرز طبيعة دلس في الربيع والصيف وكيف أنها قطعة من الجنة ففي لوحة"نساء في الحقول" تظهر الفلاحات في الحقل منكبات على العمل تكاد تغرق وسط المروج من فرط نمو الزرع. يحاول هذا الفنان استغلال الأسلوب الانطباعي الذي لم يعد رائجا اليوم مثلما كان وذلك بقصد طرح المعاني والتأويلات والأحاسيس التي تتجاوز صورة الواقع. فيما يتعلق بالوسائل المستعملة في الرسم فهي في الغالب القماش والورق والألوان الزيتية والتكامل والتدرج وفق تقنيات المدرسة الانطباعية التي تهتم بالألوان والشكل العام للوحة مع مراعاة الإضاءة والظلال وإبرازها. للتذكير فان توجي بشير فنان عصامي من مواليد 1952 بدلس ارتبط بمدينته وبعالم البحار(خريج المعهد العالي للبحرية)، حيث كان نقيبا في البحرية طاف في موانئ العالم ليتفرغ بعدها للرسم وحده، أول معرض له كان سنة 1985 بالغابون ليتابع دروسا خاصة عند الفنان الفرنسي جون لويس بمارسيليا سنة 1994 مدة سنتين كما أقام معرضه برواق غالاكسي بمارسيليا وتحصل على جائزة خاصة في اختصاص الرسم على الزجاج، ثم معرضه بجنوة بايطاليا وغيرها وكذا عضويته في ورشة سيزار بفرنسا.