يستحق الراحل، أحمد فؤاد نجم، هذه الوقفة التأبينية التي خصصها له المسرح الوطني، بعدما اختار في يوم ما أن تكون الجزائر موطن منفاه دون غيرها من دول العالم بما فيها العاصمة باريس.عاش بالجزائر حاملا معه ذكريات منها، هذه الجزائر التي أحبته ولم تنسه يوما. نظم المسرح الوطني، أمس، ضمن ركن ”صدى الأقلام” وقفة تأبينية لروح الشاعر الكبير، أحمد فؤاد نجم، حضرها جمع من المثقفين والفنانين. نشطت اللقاء الشاعرة لميس سعيدي التي وقفت عند مراسم جنازته البسيطة بساطة حياته وجلابيته وبساطة الغلابة الذين دافع عنهم دون مقابل. اللقاء -كما أشارت لميس- هو وداع بطريقة حميمية ومرحة تستحضر ذكراه الجميلة. تقدم بعدها المطرب فؤاد ومان ليؤدي بأوتار العود بعض أغاني أحمد فؤاد نجم التي غناها مع الراحل الشيخ إمام أولى هذه الأغاني يقول مطلعها. إذا الشمس غربت في بحر الغمام ومدت على الدنيا موج الظلام ومات البصر في العيون والبصائر وغاب الطريق في الخطوط والدوائر يا ساير يا داير يا بو المفهومية مافيش لك دليل غير عيون الكلام المقطع الثاني الذي أداه ومان يقول مطلعه أهيم شوقا أعود شوقا إلى جمالي وسلسبيلي يا ثورة يا اللي الهوى رماك وتهت فيك وضاع زماني. أول المتدخلين الذين عرفوا الراحل نجم عن قرب كان الدكتور أمين الزاوي الذي اعتبره رمزا من رموز الكلام، ذكر كيف جاء إلى الجزائر وطلب فور نزوله -رحمه الله- على أرضها أن يقابل كاتب ياسين المناضل والمبدع مثله، وهنا أشار الزاوي إلى أن كلاهما كان يحمل قضية وهموم شعبه يلتقيان في مسار واحد تجاوزا معا عائق اللغة وتواصلا بالمعنى وبالقيم الإنسانية المشتركة. أضاف الزاوي قائلا: ”حينما دخلت الجامعة كطالب في السبعينات كنا نسمع عن نجم وإمام إلى أن جاءانا إلى الجامعة فتعلمنا معهما علاقة الأدب والإبداع بالسياسة، حينها أيضا قابلت نجم وأجريت معه حوارا نشر في جريدة الجمهورية، ثم اكتشفت هذا الرجل يحدثني مع زوجته المطربة المصرية عزة بلبع التي قالت لي إن حياته في البيت وفي الشارع واحدة فتعلمت درسا في الإخلاص والتواضع وتعزز إحساسي عند سفري وإقامتي بدمشق كطالب أين كان يتهافت الناس على شراء أشرطته بمكتبة واحدة تبيعها هي ”ميسلون” فكان صوت هذا الرجل يصدح في كل الوطن العربي. جنازة الراحل كما وصفها الزاوي كانت جامعة لكل طبقات الشعب وبكل انتماءاته السياسية والعقائدية لأنه كان صوت الشعوب والإنسانية. أما الروائي محمد ساري، فأكد أن نجم ومانديلا رمز واحد للإنسانية اختارا النضال كما اختارا الجزائر عند خروجها من السجن، أقاما فيها لسنوات واحتكا بشعبها الذي أحبهما وأحباه. ساري استحضر فترة السبعينات التي كانت فيها الأوساط الجامعية تعج بالأفكار الثورية وكانت تستقبل رموزا مثل أحمد فؤاد نجم وغيره أين كان الطلبة وهو واحد منهم يفتحون معهم نقاشات وعلاقات، مما ساعد على تشكيل الوعي الثوري وتعلم مسؤولية الكلمة ومعاني الإنسانية، وكيف أن الظلم والسجن لم يقهرا الإرادة، حيث كان نجم يستخف بالأوضاع ويقف فوق قوة الظلم والعذاب وهي القوة التي أعطت للأجيال الأمل في التحدي. الدكتور الشاعر أحمد حمدي كان صديقا للراحل، لذلك اعتبر السكوت في تأبينيته خيانة، بالمناسبة قال إن الراحل نجم هاجم الرئيس السادات خاصة فيما يتعلق بمعاهدة كامب ديفيد وفور خروجه من السجن اقترحت عليه باريس كمنفى لكنه رفض وفضل الجزائر ليطلب فور قدومه أن يقابل كاتب ياسين وجميلة بوحيرد وكان له ذلك، علما أن كاتب ياسين استقبله في بيته بشارع فرحات بوالسعد بالعاصمة وأقام له مأدبة عشاء حضرها مثقفون وفنانون وإعلاميون ثم بدأ نجم يصدح شعرا وإمام يغني في أوقات متأخرة ليلا، علما أنهما لا يفعلان ذلك في جلسات خاصة ليصل صوتهما لكل الشارع والمناطق المجاورة ويستجيب لهما السكان بالهتاف والاعجاب، نجم أعجب بالجزائريين وعشقهم. وطوال إقامته بالجزائر كان يتردد نجم يوميا على اتحاد الكتاب الجزائريين، وإضافة إلى السهرات والندوات التي كان يحييها عبر مناطق الوطن وعبر الوطن العربي أين كان يرافقه أحمد حمدي. شارك في التأبينية أيضا الشاعر اسماعيل غربي الذي قرأ قصيدة تأبينية يقول مطلعها: قليلا من العطر يكفي للسماء نجوم كثيرة وللأرض نجم واحد