أحيت مؤسسة “فنون وثقافة” أول أمس الذكرى ال 53 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، من خلال تنظيم لقاء بقاعة ابن خلدون جمع بعض المجاهدين وتلاميذ المدارس لاستحضار تلك الأحداث المهمة التي ردت مؤامرات ديغول وأسمعت صوت الشعب الجزائري في المحافل الدولية، وأكد هؤلاء المجاهدون، وكلهم من أبناء العاصمة، أن تلك الأحداث لم تكن معزولة، بل كانت مخططة من قبل قيادة الثورة، حيث نفذها الشعب بدمه وسقطت أرواح غالبيتها من الأطفال والنساء. أول المتدخلين كان السيد بلقاسم باباسي، رئيس جمعية القصبة الذي أشار إلى أن الأحداث بدأت بمناوشات يوم 10 ديسمبر بحي بلكور أمام المتجر الكبير “زيكارا”، وإطلاق للرصاص، قتل فيه جزائريون، لتتدخل الجبهة بغية تنظيم هذه الأحداث كي لا تسقط المزيد من الأرواح، خاصة أن قوات الأمن لا ترحم، علما أن من بين المؤطرين كان الشهيد روشي بوعلام والسي عبد اللطيف، وامتد ت مهمتهما إلى ولايات أخرى. يقول باباسي: “انطلقت المظاهرات في كل أرجاء العاصمة وسقط شهداء بلغ عددهم أكثر من 55 شهيدا، أغلبهم من الأطفال، النساء والشباب، أطلق على بعضهم رصاص حي فقط لأنهم رفعوا الراية الجزائرية، كما حدث مع أحدهم بحي الحراش، ليسقط بالراية التي لفه بها المتظاهرون عند استشهاده وواصلوا بعدها المظاهرة”. قصد تقريب هذه الحوادث أكثر للتلاميذ الحاضرين، أحضر السيد باباسي مجموعة من الصور لبعض الشهداء الذين سقطوا في 11 ديسمبر، علما أن أغلبهم من الأطفال، مثل الشهيدة صليحة وثيقي ذات ال 12 سنة التي استشهدت بوابل من الرصاص من أحد رشاشات المظليين كانت من حي ديار المحصول بالمدنية، حملت العلم الجزائري في قلب المظاهرة ببلكور، هذه الفتاة التي عشقت ورددت كثيرا نشيد “من جبالنا”، تبدو في صورتها علامات البراءة والحسن وهي تبتسم كالملاك، والظفائر تغطي جانبا من وجهها المشرق، صور أخرى لشهداء آخرين منهم، كذلك مغراوي صاحب ال 10سنوات، بايزيد 16سنة، غلام سعد 12 سنة، بهلول صادق 16 سنة، فنوح 9 سنوات، طوبال 15 سنة وغيرهم من الأطفال العزل كثيرون. انتشرت المظاهرات في كل أرجاء العاصمة، حينها قال البطل كريم بلقاسم: “لابد أن نسمع صرخة بلكور في الأمم المتحدة”، كما وصف مناضلون آخرون الأحداث بأنها “ديان بيان فو” ثانية. إثر الأحداث، طوقت العاصمة ب80 ألف جندي من المظليين، مما ساعد على فك الضغط عن المناطق الداخلية، خاصة بالجبال، كما أشار إليه المتحدث. المتدخل الثاني كان المجاهد باسطا أرزقي الذي أشار إلى أن 11 ديسمبر ماهو إلا حلقة من حلقات أحداث الثورة، وقعها الشعب بدمه دون أن ينتظر الأوامر. من جانبه، أكد المجاهد سي الطيب أن 11 ديسمبر لم يكن حدثا معزولا، بل مرحلة مهمة من مراحل ثورتنا، جاء إثر التصعيد العسكري والسياسي الذي عرفته الثورة، كما كان ردا واضحا لديغول المهزوم سياسيا، إضافة إلى أن هذه الأحداث ساعدت حسب المتحدث - ديغول على تحرير من الجزائرفرنسا. المجاهد والعضو الفاعل في هذه الأحداث، السيد عباسي، بدأ بالقول أنه لا عدوان إلا على الظالمين ليخاطب الحضور من التلاميذ قائلا: “فرنسا قتلت الكثير من الأطفال مثلكم، كانت أعمارهم لا تتعدى ال 10سنوات، بعضهم دفن حيا والآخر علق وعذب “بالشاليمو”، بالتالي لا ينبغي اليوم تصديق أكذوبة أن ديغول هو من أعطانا الاستقلال، إذ ارتكب هذا الفرنسي أضعاف الجرائم التي ارتكبها سابقوه من القادة "الفرنسيس"، بالمناسبة توقف المتحدث عند الزيارة التي قام بها ديغول إلى عين تموشنت في 10 ديسمبر 1960، ومكره الذي حاول به خداع الجزائريين تحت شعار “الجزائر الجزائرية” قصد إيجاد قوة ثالثة ناعمة تسحب البساط من الثورة لفائدة طرف جزائري أكثر تعاونا واستجابة لفرنسا الاستعمارية، لكنه فضح على رأس الأشهاد ورجع يحمل خفي حنين. يحكي عباسي أدق التفاصيل عن 11 ديسمبر باعتباره واحدا من منظميها، إذ في هذه الفترة كان يعمل حلاقا بباب الوادي، فجاءه أمر من مسؤوله سي جمال بواسطة السيد مقران ياسف يدعوه إلى ضرورة توفير حوالي 40 علما. فتم اللجوء إلى خياطة ب"السيدة الإفريقية" وشرع في شراء الأقمشة من سوق “الروتشار”، وأحضرت الأعلام إلى متجر سي عباس لتوزيعها، في هذه الأثناء التقى المسؤولون منهم سي عباس في طريقهم إلى حي مناخ فرنسا بنساء وفتيات يصرخن وهن يحاولن الهجوم على معتقل للنساء قصد تخليصهن، ثم ما فتئت هذه الأحداث تنتشر حتى القصبة ووسط العاصمة، هنا تدخل المعمرون مستعملين السلاح، بالتالي القتل ليسقط العشرات، أغلبهم من النساء والأطفال، كثير منهم سقطوا قرب منطقة القطار أثناء الليل (حظر التجول)، جاءت الشاحنات لتعبئ 500 شخص من حي باب الوادي والمناطق المجاورة، أغلبهم من النساء، الشيوخ والأطفال سيقوا إلى محتشدات ببني مسوس، سي عباس تحدث عن فظاعة المعمرين والقتل المباشر للقوات الفرنسية المرابطة في تلك المناطق، علما أن المظاهرات كانت سلمية قام بها شعب أعزل. بقي هذا المجاهد يبحث عن العدد الحقيقي للشهداء الذين سقطوا، مع العلم أن العديد منهم سقطوا أمامه ليبقى العدد مجهولا لم تفصح عنه السلطات الفرنسية وتكتمت عليه لإدراكها أن أغلب من سقطوا كانوا من الأطفال والنساء. مع كل تلك الأحداث، نظم اجتماع بحمام سي اعمر مكروفو المجاهد الكبير بالعاصمة، الذي كان البطل كريم بلقاسم يتنقل بسيارته، إلا أن تسارع الأحداث خاصة بباب الوادي أربك الأمور، فيما كان من المقرر تجديد المظاهرات في الفاتح جانفي 1962، إلا أن دخول العديد من المناضلين - هو أحدهم - السجن حال دون ذلك. يبقى الكلام عن هذه الأحداث يتطلب المزيد من المساحة والوقت، خاصة في حضور من صنعوها أو عايشوها ليقدموا شهاداتهم عما جرى في ذلك اليوم البارد من شتاء 11 ديسمبر 1960. للتذكير، قدم أحد الحضور شهادته، إذ كان حينها طفلا، قام برفع العلم الجزائري أمام العلم الفرنسي جاعلا من الراية الوطنية الأعلى.