النزاعات والصراعات الدولية اليوم أخذت شكلا آخر، بعد التطورات المتسارعة التي عرفتها تكنولوجيات وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة، والتي ساهمت في اختراع وسائط اتصال جديدة، عابرة للحدود، متجاوزة كل أنواع الرقابة، ومقلصة لبعدي المكان والزمان. قوى الشمال تستخدم سلاح العقول للسيطرة على ثروات الجنوب، بعد الأزمات التي عرفتها دول الغرب في السنوات الأخيرة، انطلاقا مما أصبح يعرف بالجيل الرابع في الحروب، وقاعدته الأساسية ”إفشال الدولة” وأحد دعاة هذه النظرية هو الخبير الأمريكي ماكس جي مانوارينغ، الباحث في الاستراتيجيات العسكرية -خدم في المخابرات العسكرية وقيادة الجيش الأمريكي-. يقول مانوارينغ: ”خلال العقدين الأخيرين انتشر نوع جديد من الحروب والتي تسمى (الجيل الرابع في الحروب غير المتماثلة)، تتمثل في إنهاك وتآكل إرادة الدولة المستهدفة ببطء وبثبات من أجل اكتساب النفوذ وإرغام الدولة المستهدفة على تنفيذ إرادة أعدائها في النهاية”. أسلوبها زعزعة الاستقرار -هدف رئيسي- ومنفذها مواطنون من الدولة المستهدفة ذاتها، ويشارك فيها الرجال والنساء والأطفال، وينتهي بتحويل الدولة إلى دولة فاشلة. أهم وسائلها الإعلام ووسائل الاتصال الإجتماعي، ك«الفايسبوك، وتويتر، وسكايب إلخ...” ثم المنظمات غير الحكومية بمختلف أشكالها. حين نقرأ مثل هذه المقتطفات، ونحن ندرك بأن الجزائر ليست في منآى عن ذلك، يجدر بنا أن نكون على أعلى درجة من الوعي والحذر. فعندما يتكلم خبير في مخابرات دولة أجنبية، عن الوضع العام في الجزائر، الداخلي والأقليمي، وتشتم في مفرادات كلامه أن هناك نوعا من التحريض والتأليب في العلن، تستنتج أن ما يخطط في الخفاء أدهى وأمر، وأننا مستهدفون. وإذا كانت الجزائر قد نأت بنفسها عن التدخل في الشأن الداخلي لدول الجوار، إيمانا منها بمبدأ سيادة الدول، فهذا يساعدها على التفرغ للجهاد الأكبر، الذي هو المحافظة على المكاسب التي حققتها ثورة التحرير، وإصلاح وتعمير ما خربه الإرهاب خلال العشرية السوداء، وتوفير مناصب الشغل والسكن اللائق، وحماية المواطن في أمنه وعرضه وممتلكاته، وهذا لا يعفي المواطن من مسؤولياته تجاه وطنه، وإلقائها على الدولة، فالزلزال يطال الجميع، وغرق السفينة يشمل كل من بداخلها. ثورة التحرير انتصرت لما أحتضنها الشعب، واستقرار الجزائر يكون من خلال وعي الشعب بمسؤولياته تجاه الوطن، ومن خلال الحفاظ على المؤسسات والأملاك العامة، فحرية التعبير حق، والاحتجاج حق، والإضراب عن العمل حق، لكن قد يراد بذلك باطل، وهذا هو المنفذ الذي ترتكز عليه نظرية ”إفشال الدولة”، ومن هنا يصبح المواطن -الرجال والنساء والأطفال- منفذا لأجندات خارجية، تتسبب في إنهاك الدولة، وتآكلها، وإشاعة الفوضى ومن ثم انفلات زمام الأمور، وتصبح الدولة لقمة سائغة للأعداء، والعبرة بدول الجوار، والحل في يد قادة الرأي، ورجال الإعلام في توعية المواطن بمخاطر حرب ”إفشال الدولة”. وشعبنا عودنا على تفويت الفرص على الأعداء في أكثر من مناسبة. لكن أساليب المتربصين بنا وتغلغلهم في مجتمعنا، لا يمكن أن توصف إلا بأساليب الشياطين في غواية بني البشر. ومن ثم فالتوعية واجب وطني، ووفاء لدماء شهداء الثورة، والعشرية السوداء والواجب الوطني.