كثفت السلطات الفرنسية هذه الايام من تحركاتها الدبلوماسية باتجاه دمشق في مسعى حثيث لاعادة الدفء الى علاقات بين بلدين اكتنفتها برودة جليدية منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري سنة 2005. وحل امس موفدان عن الاليزي بالعاصمة دمشق بهدف اعطاء دفع آخر للتقارب الحاصل منذ قرابة شهر بين العاصمتين بعد ان ابدت باريس ليونة في موقفها تجاه النظام السوري مباشرة بعد انتخاب الرئيس اللبناني الجديد بعد فراغ سياسي قارب نصف العام . والتقى الموفدان جون دافيد لوفيت المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي وكلود غيوان الامين العام لقصر الاليزي بالرئيس السوري بشار الاسد لوضع آخر الترتيبات قبل الزيارة المرتقبة التي ينتظر ان يقوم بها هذا الاخير الى باريس لعقد لقاء قمة مع مع نظيره الفرنسي عشية انعقاد اول قمة للدول المطلة على ضفتي المتوسط في اطار الاتحاد من اجل المتوسط التي تعقد يوم 13 جويلية القادم يوما قبل تسلم فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوربي. وتم توجيه دعوة رسمية للرئيس السوري لحضور الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي يوم 14 من نفس الشهر والتي تتزامن مع استلام فرنسا للرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي. وتسارعت الاحداث على طريق اعادة المياه الى مجاريها في علاقات باريس دمشق اشهرا بعد ان اوقفت السلطات الفرنسية كل اتصالات مباشرة بينها وبين نظيرتها السورية بعد ان اتهمتها بعرقلة كل المساعي لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان خلفا للرئيس اللبناني المنتهية عهدته ايميل لحود. ويبدو ان الرئيس الفرنسي قد استعمل براغمايته في التعاطي مع قضية اقتنع انها تخدم مصلحة بلاده رغم الانتقادات التي وجهتها له الادارة الامريكية على خلفية الصراع الامريكي السوري واختلاف سياستيهما في المنطقة بالاضافة الى انتقادات من عدة اطراف داخل لبنان والتي اتهمت باريس بالتسرع في التعامل مع النظام السوري. وتكون السلطات السورية هي الاخرى قد تعاملت بواقعية مع العرض الفرنسي وفضّلت لعب ورقة باريس لإبطال مفعول ضغوط واشنطن عليها وخاصة ان هذه الاخيرة تحركت بقوة هذه المرة بعد قضية المفاعل النووي السوري الذي دمرته طائرات اسرائيلية بإيعاز من الادارة الامريكية قبل اسابيع. ووضعت قضية هذا المفاعل الذي تضاربت الاخبار حول حقيقته السلطات السورية في الواجهة بعد ان اتهمتها الدعاية الامريكية بالتعامل مع خبراء كوريين شماليين لامتلاك اسلحة نووية لاغراض عسكرية. واستغلت واشنطن الحادثة لإظهار سوريا لدى الرأي العام الدولي على انها ايران ثانية ويجب تحجيم طموحاتها النووية قبل ان يستعصي التعامل معها تماما كما هو حاصل الآن مع التجربة النووية الايرانية. وتبقى المعضلة الاسياسية بالنسبة للدبلوماسية الفرنسية في التعامل مع سوريا علاقة هذه الاخيرة مع ايران التي تعتبرها حليفا استراتيجيا لها في المنطقة بالاضافة الى العلاقة المستقبلية بين دمشق وحزب الله وكذا مع مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية. وربما ذلك هو الذي دفع بوزيرة الخارجية الامريكية الى التاكيد امس، أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيحمل الرسالة الى دمشق حول ما اسمته بالاهداف "المشتركة بين الفرنسيين والامريكيين حول الشرق الاوسط"، والتلميح واضح الى علاقة دمشق مع ايران والمقاومة الفلسطينية بالاضافة الى العلاقات مع لبنان. ويبدو أن عودة الدفء الى علاقات باريس ودمشق لم ترق ايضا عدة اطراف لبنانية وخاصة تلك المعروفة بعدائها لسوريا. وقال الرئيس اللبناني الاسبق امين الجميل تعليقا على دعوة الرئيس الفرنسي لنظيره السوري ان باريس تسرعت كثيرا لاعطائها ضمانات لسوريا وفي تقييمه للوضع العام في المنطقة وأن الواقعية السياسية للفريق الرئاسي في باريس لا يجب أن ترهن العلاقات المتميزة بين فرنسا وحلفائها في لبنان" في اشارة الى الأحزاب المعادية لدمشق ضمن ما اصبح يعرف بتيار 14 مارس.