أكدت دراسة تحليلية أجرتها مصالح الدرك الوطني بالعاصمة أن الأشخاص الأكثر اقترافا لجرائم القتل والسرقات والمخدرات، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، هم من فئة الشباب المتسربين من المتوسطات، وهي بذلك لا تدع مجالا للشك في أن هذه المرحلة المفصلية من حياة الشاب والتي تتزامن مع فترة المراهقة، أمرها صعب جدا، وتحتاج إلى دراسة واحتواء ومعالجة جادة واهتمام زائد، حتى لا تكون فترة إنتاج ”قنابل اجتماعية” قابلة للتفجير في أي وقت وأي مكان. وإذا كانت مبادرة الدرك تهدف بالدرجة الأولى إلى التكيف مع الواقع ومعرفة أغوار وأعماق الظواهر الاجتماعية بآفاتها وشغبها ولغطها، ومنه التحكم في معالجة ذلك بطرق علمية وقانونية، فإن قطاعات أخری أحرى بها أن تكون السباقة إلى تدارس مثل هذه المواضيع وجعلها محل ”نقاش وطني” حتى تدفع بقطاعات أخرى ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة في معترك المشكل. ليس من السهل اليوم وكل الوسائل التكنولوجية متاحة أن تكون عملية ”الاحتواء” سهلة، فكلما تطورت والوسائل والتقنيات كلما تطورت الجريمة، ولذلك فمبادرة الدرك الوطني بما فيها من العمق والشمولية وبالغ الأهمية يتعين أن يتم تعميمها وترقيتها لأن تكون محورا أساسيا في السياسة التربوية والاجتماعية والأمنية. ما يحز في القلب حقا أن ترى فتيانا في عمر الزهور يركبون قطار الانحراف ويمتطون أمواج الفساد منذ نعومة أظافرهم، وما يوجع النفوس أن تكون العائلة خارج مجال التغطية التربوية والنفسية لظروف اجتماعية قاهرة. فتدفع فلذة كبدها في عز المراهقة إلى مخالب الشارع الهجين الذي لا يرحم، وتتخلص من متطلبات ابنها الملحة إلى وسائل عنيفة تنتج فيما بعد عنفا مضاعفا يكون وبالا على الأسرة والمجتمع والوطن. ليس هناك من سبيل لمحاصرة ظاهرة التسرب المؤدي للانحراف إلا محاصرة متاعب ومصاعب العائلة والاهتمام بالناشئة إلى حين مرور زوبعة المراهقة التي قد تهد أركان الأنفس الضعيفة والشخصيات الهشة وتجعلها لقمة سائغة ولعبة في أيدي شياطين الإنس.