عندما يحين موعد الاستحقاقات ببلادنا، يصبح الجو مناسبا لأن يدلي أي شخص أو حزب أو هيئة بدلوه في "مياه" السياسة والمجتمع والاقتصاد والتخطيط والتنظير... وو، ويخرج المتشرنقون ليفسروا للناس الماء بالماء، ويستعرضوا كامل قواهم الفكرية والسياسية "والمآربية" ويعطوا لهم وصفات أبعد ما تكون عما تحتاجه صحتهم، وتعلو أصوات كانت خافية خافتة لسنوات، وكأن فصل "الانتخابات" هو أفضل الفصول لديهم كي يزهروا ويثمروا وينيروا الدروب. عندما يحين موعد الانتخابات عندنا تتبارى طبقات المفسرين والمحللين في رسم لوحاتها على اختلاف أشكالها وألوانها، وعرضها في أروقة المجتمع بفئاته وتركيباته وقناعاته وليس في ذلك عيب، ما دامت اللعبة الديمقراطية تسمح بل وتستلزم ذلك، لكن العيب كل العيب أن يزيد الشيء عن حده فينقلب إلى ضده، إذ يحلو لذوي الحسابات الشخصية التنكر في أزياء انتخابية وتحسيسية لتفريغ حمولاتهم وشحناتهم، على أساس أنها الدواء الشافي والجواب الكافي، وقد يكونون في الحقيقة أبعد عن ذلك. لانستغرب أن يطمع في المسؤولية من ليس له الكفاءة ووسائل النجاح، وأن ينافح عن قناعاته من هو مقتنع بعدم جدواها، ولا نتعجب أن تعلو أصوات نشاز تملأ الفراغ وتحاول أن تكون الشجرة التي تغطي الغابة.. هي ذي لعبة الديمقراطية وناموسها وليس بمقدور أحد أن يسير عكس التيار. لا نخاف على بلادنا من هذه الأجواء المحيطة لأننا ألفنا ذلك واندبغنا على الحلو والمر، لكن الخوف يكمن في خوافي الكمائن التي تدبرها الرؤوس وتجسدها الأذيال فتضر كامل الجسد بالسهر والحمى، ومحل الشاهد أن فقاقيع الإعلام المتربص بدأت ترمي أذرع أخطبوطها في كل قطاع وكل تصريح وكل سكتة وحركة، وكأنها "تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" وإن ذلك لأخطر ما يكون على الوحدة الوطنية وروح التلاحم بين أبناء الوطن الواحد. لن ينفع "المتدرعين" في الأخير اختفاؤهم حول قاعدة شعبية ظلوا طيلة الأشهر والسنوات بعيدين عنها، ولن يستطيعوا إخفاء الشمس بالغربال ومحو الآثار الطيبة التي تجسدت على أرض الواقع، فشتان بين الأقوال والأفعال.