مزجت السلطات الروسية بين لغة اللين والتهديد في تعاطيها مع الدول الغربية بخصوص الأزمة الأوكرانية عندما هدّأت من لهجتها، داعية إلى فتح حوار ندي مع العواصم الغربية، لإيجاد تسوية لهذه الأزمة المتفاقمة، ولكنها لم تتوان في استعمال لغة التهديد عندما حذّرت من وقف كل تعاون مع لجان التفتيش الخاصة بترسانتها الاستراتيجية. وفتح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منفذا لإمكانية فتح حوار “نزيه وندي وموضوعي” مع القوى الأجنبية، لمساعدة أوكرانيا على الخروج من أزمتها، دون أن يعني ذلك أننا طرف في هذه الأزمة. ونفى لافروف بشكل قطعي، كل مسؤولية لبلاده في افتعال هذه الأحداث، وقال: “إن الأزمة لم تندلع بسببنا، ولكنها اندلعت رغم التحذيرات المتواترة التي ما فتئنا نحذّر منها منذ مدة طويلة”. وتزامن العرض الروسي مع تصريحات رئيس اللجنة الأوروبية خوسي مانويل باروسو، الذي أكد من جهته أنه مازال يأمل في بذل الجميع جهدا إضافيا من أجل التوصل إلى حل سلمي وتفاوض حول أوكرانيا، بمبرر أن أوروبا لا تريد المواجهة. وهي لغة الحوار التي دعت إليها السلطات الأوكرانية الجديدة، التي أبدت استعدادها للدخول في اتصالات على كل المستويات مع موسكو، وإنشاء فريق اتصال بين الأوروبيين وروسيا لإيجاد مخرج للأزمة. يُذكر أن عرض الحوار الذي تقدمت به روسيا جاء بعد أن انتهت فيه كل الاتصالات الدبلوماسية لاحتواء هذه الأزمة، إلى طريق مسدود، ونفدت كل الخيارات المطروحة لتسوية أزمة لم يسبق للدول الغربية وروسيا أن واجهتها منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. يُذكر أن لافروف وكيري التقيا ثلاث مرات خلال اليومين الماضيين على هامش منتديات دولية، إلا أنهما فشلا في احتواء الأزمة، بل إن تصريحاتهما التحذيرية بينهما صبت البنزين على نار أزمة متأججة. وفي مقابل الليونة التي أبدتها موسكو في التعاطي مع الأزمة الأوكرانية، إلا أن ذلك لم يمنعها من إخراج أوراق ضغط أخرى في وجه القوى الغربية، وأكدت أنها لا تستبعد وقف عمليات التفتيش الأجنبي لترسانتها من الأسلحة الاستراتيجية؛ بما فيها الصواريخ العابرة للقارات في إطار اتفاقية “ستارت”، التي دخلت حيّز التطبيق بينها وبين واشنطن منذ سنة 2011. وجاء الموقف الروسي ردا على التهديدات الاقتصادية والمالية والعسكرية، التي لوّحت بها العواصم الغربية في وجه موسكو على خلفية اتهامات تجاهها بتعميق الأزمة في هذا البلد، الذي أصبح مهدَّدا بتفكيك وحدته الترابية، في ظل موقف السكان الروس في شبه جزيرة القرم بالانضمام إلى روسيا. وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن التهديدات غير المؤسسة التي وجهتها الولاياتالمتحدة وحلف الناتو تجاه روسيا، تُعد تصرفا عدائيا بما يتعين علينا إعلان ظروف القوة القاهرة”. وأكد مسؤول عسكري سام في وزارة الدفاع الروسية، أن موسكو مستعدة لفعل ذلك؛ ردا على تهديدات البنتاغون الأمريكي بوقف التعاون بين وزارتي دفاع البلدين. وتزامن تهديد وزارة الدفاع الروسية في نفس الوقت الذي خرج فيه آلاف المؤيدين لروسيا من سكان شبه جزيرة القرم، في مظاهرات مؤيدة للانفصال عن أوكرانيا أياما فقط قبل تنظيم استفتاء في 16 مارس الجاري، يخيّر سكان شرق هذا البلد بين البقاء ضمن السيادة الأوكرانية أو الانفصال عنها.