في هذه الأيام التي يتبارى فيها المتنافسون على كرسي ”رئيس الجمهورية” تطبع بلادنا -كما عهدنا في كل استحقاق- حركية وأجواء حماسية، وتخرج إلى الساحة أصوات كانت -ربما في سبات- فتدلي بدلوها في عمق البئر الاجتماعية، ولا يعلم أحد من هؤلاء ماذا يجلب دلوه، وهل يقاوم الثقل المستمد من العمق. وقد يكون للحظ دور في بعض الميادين، لكن عندما يرتبط برأي أفراد المجتمع على اختلاف قناعاتهم وتوجهاتهم وأهدافهم تقل درجة الحظوظ، ليبقى الرهان الحقيقي يكمن في مدى استيعاب المجتمع لطموحات هذا وتصرفات ذاك، ونوايا ذلك، وهي الفوارق التي تصنع ”الفارس الحقيقي” الذي يحظى بإجماع الأغلبية في عرس ديمقراطي وأجواء شفافة. لا نستغرب أن تصاحب فترة ما قبل وأثناء وبعد الاستحقاقات عمليات ”مد وجزر” وارتفاع أصوات مستحسنة وأخرى مستهجنة، ومحاولات لتضخيم التافه وتقزيم الضخم، وتصفية حسابات بعيدة كل البعد عن الحملة الانتخابية، لكن هي لعبة الديمقراطية تتطلب أعصابا مشدودة، ودرجة عالية من الجاذبية والسحر الاجتماعي، وليست بلادنا تفتقد إلى مثل هذه التجارب التي خرجت فيها من الزجاجة وكادت أطراف داخلية وخارجية أن تكسر الزجاجة ومن بداخلها لولا حفظ الله وجهود ودعوات المخلصين. لا نحتاج كجزائريين إلى من يعطينا الدروس في اللعبة السياسية والممارسة الديمقراطية وما تحمله من تنافس وتراشق وهدم وبناء وتصحيح وتقويم، لأن التجارب السابقة جعلت أبسط مواطن تسأله عن وضعيته تجده لا يطلب المستحيل من المسؤولين في السلطة، ولا تتعدى مطالبه بلدا آمنا ومسكنا مريحا وعملا قارا، وتوفير ضروريات الحياة البسيطة، بعيدا عن تعقيدات ذوي ”المآرب الأخرى” التي قد تنسف مطالب المواطن البسيط بدافع النزوة والسياسة والشهرة وحب الظهور.