تحيي الجزائر كبقية البلدان اليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة، في ظرف يتسم بإصلاحات هامة يعرفها قطاع الاعلام، ضمن مسار لتعزيز دوره وأدائه وكذا إضفاء مزيد من الانفتاح والمهنية عليه، مع ضمان أكبر لحرية التعبير. وفي مثل هذا اليوم تكون الفرصة سانحة لتقييم ما تم تحقيقه، وكذا التفكير فيما يجب القيام به لتطوير قطاع الاعلام بكل مكوناته وجعله يستجيب لحاجيات المجتمع وتطلعات المواطنين. ففي مثل هذا اليوم يخرج عالم الصحافة إلى الواجهة، ليبرز أهم مشاغله ومشاكله، وهو الذي اعتاد أن يهتم حصرا بانشغالات الآخرين طيلة أيام السنة الأخرى. وهو اليوم الذي تصبح فيه الصحافة محط أنظار، ليدرك الجميع أهميتها ومحورية الدور الذي تقوم به، وكذا الوضع الذي يعيشه مهنيوها والذي تلخصه المقولة المشهورة “الصحافة مهنة المتاعب”، والتي قد تتحول أحيانا إلى “مهنة الموت”. واختارت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، أن تحيي عيد الصحافة هذه السنة تحت شعار “حرية وسائل الاعلام، من أجل مستقبل أفضل”، مشيرة إلى أن إحياءه يركز في 2014، على ثلاثة مواضيع هي: “أهمية وسائل الإعلام في التنمية”، “سلامة الصحافيين وسيادة القانون” و«استدامة ونزاهة الصحافة”. وفي الجزائر، فإن إحياء هذا اليوم يأتي في سياق جديد تميز بإعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة رابعة، وهو ما يعني استكمال البرنامج الذي بدأه منذ سنوات لإصلاح قطاع الاعلام والاتصال، والذي شهد بداية السنة الجارية، المصادقة -أخيرا وبعد جدل واسع- على قانون السمعي البصري الذي يجسد الانفتاح الاعلامي بالجزائر، ويفتح المجال أمام الاستثمار الخاص ليسهم في تطوير هذا القطاع. ويعد إصدار هذا القانون خطوة هامة، بالنظر إلى التأخر الذي شهدته الجزائر في هذا المجال، مقارنة بالانفتاح الكبير الذي عاشته منذ التسعينيات في مجال الصحافة المكتوبة، والتي أصبحت مرجعا هاما لقياس حرية التعبير في بلادنا، بالنظر إلى نوعية المضامين التي تنشرها والتي تحمل في كثير من الأحيان انتقادات كبيرة لعمل السلطات. وجاء إصداره كذلك لتنظيم وضبط السمعي البصري، بغية عدم الوقوع في فخ الانفتاح الفوضوي، لاسيما وأن قنوات جزائرية خاصة شرعت في البث قبل المصادقة عليه، وأثارت في كثير من الأحيان جدلا بخصوص طريقة طرحها لمواضيع معينة. ولأن الصورة أصدق حديثا وأكثر تأثيرا، فإن السلطات ممثلة في وزارة الاتصال، شددت على مسألة الضبط والتنظيم لقطاع السمعي البصري، ليس تقليصا من هامش الحريات ولكن حرصا على إخضاع هذه الوسائل المؤثرة -مقارنة بالصحافة المطبوعة- إلى القانون. وفي هذه المرحلة الجديدة ينتظر قطاع الاعلام في الجزائر فتح ورشات أخرى، أكد رئيس الجمهورية، استكمالها خلال الخماسي القادم، أهمها قانونا الاشهار وسبر الآراء، فضلا عن التشريعات الداعمة لحق المواطن في الاعلام، كما جاء في رسالة الرئيس، لأهل المهنة بالمناسبة. هو إذا حرص على استكمال المسار التشريعي مقرون بحرص أشد على حماية حرية التعبير من كل أشكال الضغط، وكذا حمايتها من نفسها إذا “تجنّت بالقذف والأراجيف أو أي إجحاف في حق المواطن، أو الطعن في المؤسسات الدستورية”، كما أشار إليه الرئيس. فليس جديدا أن نقول بأن حرية التعبير يجب أن تقرن دوما بروح المسؤولية وبأخلاقيات المهنة، لأن ما يقال أو يكتب أو يصور ويقدم للقرّاء والمستمعين والمشاهدين، يمكنه أن يتحول إلى مصدر فتنة أو أزمات اجتماعية وحتى سياسية إذا لم يحترم القيم والأخلاق والمصالح العليا للبلد. كما أن التكوين عامل أساسي في تحقيق حرية التعبير المسؤولة، ولهذا فإن أهل المهنة ينتظرون الكثير في هذا المجال، فالطريق نحو الاحترافية يمر حتما بتحسين وتعزيز قدرات الصحفيين والمهنيين باختلافهم لأداء دورهم في إطار الحيادية وأخلاقيات المهنة. وفي الثالث ماي، لا يمكننا أن نهمل الحديث عن أهمية تنظيم الصحفيين لأنفسهم، وتكوين نقابة قوية تستطيع أن تدافع عن حقوقهم، وأن تكون ناطقا باسمهم ومفاوضا لهم مع الأطراف الأخرى. وهو ماشددت عليه وزارة الاتصال، في كل المناسبات بدعوتها إلى تنظيم أهل المهنة، لاسيما في سياق استكمال ملف البطاقة المهنية التي من شأنها أن تضع حدا لانتشار ظاهرة “أشباه الصحفيين”، وتضع لبنات تنظيم صحفي يشمل الجميع.