يحيي الإعلاميون الجزائريون اليوم عيدهم العالمي، المصادف للثالث من شهر ماي في خضم حركية سياسية مكثفة وغير مسبوقة تعرفها البلاد، بفعل تطبيق برنامج تعميق الإصلاحات السياسية وتعزيز المسار الديمقراطي الذي يحتل فيه قطاع الإعلام مركزا محوريا ويشكل أحد أبرز دعائمه، وقد استفاد هذا القطاع من أولى ثمار هذا البرنامج الإصلاحي من خلال إعادة تأطيره بقانون جديد وإقرار تدابير استثنائية شملت على وجه الخصوص فتح القطاع السمعي البصري وانطلاق عملية تأهيل الإعلام العمومي لتعزيز مستوى تنافسيته. وقد جعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه للأمة في أفريل ,2011 قطاع الإعلام في قلب الإصلاحات السياسية التي يعيش الجزائريون، اليوم، على وقعها، لا سيما في ظل الأجواء الانتخابية التي تميز هذه المرحلة المفصلية التي تقبل من خلالها الجزائر على وضع جديد للتغيير والتجدد، وباشرت الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية منذ الإعلان عن البرنامج الإصلاحي واستكمال سلسلة المشاورات السياسية مع مختلف الفعاليات الوطنية بما فيها التنظيمات المهيكلة لمهنة الصحافة، عملية تنفيذ محاور الإصلاحات التي رسم معالمها الرئيس بوتفليقة، وحدد في إطارها الإجراءات الخاصة بترقية مهنة الصحافة في الجزائر، وتعزيز الممارسة الإعلامية وحرية التعبير، فأوصى بذلك برفع التجريم عن جنحة الصحافة من خلال تعديل قانون العقوبات، وتم ترسيم هذه الإجراءات التي دخلت حيز التنفيذ شهر سبتمبر الماضي، ملغية المادة 144 مكرر1 التي كانت تعاقب أية نشرية يومية أو أسبوعية أو شهرية يتم بواسطتها الإساءة إلى رئيس الجمهورية، وكذا أحكام المادة 144 مكررة التي كانت تنص على عقوبة الحبس. وأعقب هذا المكسب الجديد الذي جاء ليحرر رجال مهنة الصحافة مما ظلوا يعتبرونه قيودا تشل حرية آدائهم المهني وتعترض تقدم حرية التعبير في الجزائر بشكل عام، دخول قانون الإعلام الجديد حيز التطبيق بعد المصادقة عليه من قبل غرفتي البرلمان نهاية العام ,2011 وهو القانون الذي أعاد ترسيم الأطر القانونية والتنظيمية للمهنة، ونص على مساعدة الدولة للصحافة وضمان الحقوق الاجتماعية والمهنية للصحفيين. وفضلا عن كل هذا؛ أقر قانون الإعلام الجديد ولأول مرة في تاريخ الجزائر فتح القطاع السمعي البصري للرأسمال الوطني الخاص وإنشاء سلطتين للضبط مستقلتين للصحافة المكتوبة وللقطاع السمعي البصري، مع إلغاء جميع العقوبات الخاصة بالسجن التي كان منصوصا عليها في المواد من 77 إلى 99 من القانون السابق الصادر في أفريل ,1990 وتقليص عدد الجنح من 24 إلى 11 جنحة. كما تم، ضمن نفس المسعى ولأول مرة في قانون المالية ,2012 إقرار ميزانية خاصة لتمويل تكوين الصحفيين بلغت 400 مليون دينار، وذلك تعزيزا لسلسة الإجراءات التي تؤكد عزم السلطات العمومية على تعزيز الديمقراطية ودعم مكسب حرية التعبير في البلاد، انطلاقا من منح مزيد من الحريات للصحافة ورفع كل شكل من أشكال القيود والمضايقات التي تعترض العمل الإعلامي. وعلى الصعيد الميداني، تجلت بوادر الانفتاح الإعلامي الذي أقرته الإصلاحات السياسية من خلال بروز حركية غير مسبوقة في مجال الإعلام السمعي البصري مع ظهور عدد من القنوات التلفزيونية الفضائية الخاصة، التي حتى وإن لم تحصل بعد على اعتمادها الرسمي، وذلك لكون إجراءات تنظيم وتأطير هذا المجال بما فيها دفتر الشروط، لم يتم استكمالها بعد، فقد بادرت إلى التأهب وتحضير نفسها لدخول السوق الجزائرية، من خلال الشروع في بث برامجها من الخارج. كما تجلت أولى ثمار التنظيم الجديد لمهنة الصحافة في الاعتماد الرسمي لشبكة تثمين الأجور الخاصة بصحفيي القطاع العمومي، والتي تندرج ضمن مسعى تأهيل هذا القطاع وتحضيره للمنافسة الشديدة التي ينتظر أن تميز المرحلة الحاسمة التي تقبل عليها البلاد، حيث يفترض أن ينخرط الإعلام الجزائري انخراطا تاما في هذه المرحلة، ويساهم بشكل حيوي في مرافقة الإجراءات الموجهة لدعم التنمية ومحاربة مختلف أشكال الفساد والرشوة وتحقيق أهداف الإصلاحات التي ترمي أساسا إلى دعم المسار الديمقراطي وإرساء دعائم الدولة القوية. كل هذه المكاسب التي تحققت لمهنة المتاعب والتي يرتقب أن تتعزز قريبا بتنفيذ إجراءات أخرى تشمل على وجه الخصوص إصدار القانون الأساسي وبطاقة الصحفي وقانون الإشهار الجديد، تؤكد أن المرحلة التنظيمية الحالية التي يعيشها القطاع تعد من أهم مراحل تطوره التاريخية في الجزائر بعد مرحلة الإعلان عن التعددية الإعلامية في ,1990 وذلك باعتراف الأسرة الإعلامية التي ثمنت كافة الإجراءات المتخذة في إطار الإصلاحات السياسية العميقة، مترقبة مرحلة تجسيد هذه التدابير على أرض الواقع وتعميمها على كافة مكونات القطاع، بما فيها قطاع الصحافة الخاصة الذي ينتظر أن ينخرط في هذا المسار التقويمي، ليبقى المطلوب من الصحفيين هو تنظيم أنفسهم من أجل ضمان الحماية اللازمة لمهنتهم من خلال الدفاع عن الحقوق المهنية والاجتماعية التي يكفلها القانون من جهة وإعادة تنظيم الممارسة الإعلامية وفق ما تمليه وتحدده أخلاقيات المهنة، من جهة