تُعد الفنانة المتميزة والمتألقة ليلى بورصالي واحدة من الأصوات النسائية التي لها باع طويل في مجال الطرب الأندلسي الأصيل، وواحدة من الوجوه النسائية التي تسعى لتطوير الأغنية الأندلسية. التقتها ”المساء” بقصر الثقافة والفنون لمدينة سكيكدة؛ حيث شاركت في فعاليات الطبعة الثانية من الملتقى الوطني للنوبة المعاصرة، وأجرت معها هذا الحوار. المساء:من هي ليلى بورصالي؟ ليلي: مطربة متخصصة في النوبة من مدينة تلمسان. في رصيدي إلى حد الآن 03 ألبومات تصب في الحوزي والنوبة وفي رصد الذيل ونوبة الغريب.
حدّثينا عن مسارك الفني؟ بدأت الموسيقى سنة 1989 في جمعية ”أحباب الشيخ العربي بن صاري” بتلمسان سنة 1994. انتقلت إلى فرنسا، وهناك قمت بتأسيس جمعية فنية مع موسيقيين آخرين تسمى ”جمعية أنغام الأندلس”، وبقيت في باريس مدة 16 سنة. وخلال هذه الفترة تكونت في الفن بوجه عام، لأتفرغ لتكوين عدد كبير من الشباب من خلال مدرسة فنية تم إنشاؤها بفرنسا. وقد مكّنت هذه المدرسة هؤلاء الشباب من التعرف على الفن الأندلسي الكلاسيكي. في سنة 2009 عدت إلى الجزائر العاصمة لأنضمّ بعدها لجمعية الفنون الجميلة بالعاصمة. وفي سنة 2010 قمت بتسجيل ألبومي الأول في الحوزي. وبعد أن تخصصت في النوبة قمت بتسجيل ألبومي الثاني في نوبة رصد الذيل، وألبوم آخر مزدوج في الغريب.
ما هو الفرق بين النوبة والحوزي؟ هناك فرق كبير جدا؛ أوّلا من حيث موطنهما؛ فالنوبة جاءتنا من الأندلس، بينما الحوزي نشأ بعدها بفترة في مدينة تلمسان؛ أي بفارق زمني كبير. وعن هذه النقطة لا بد أن أوضح لكم بأن الحوزي في الأصل مشتق من النوبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن النوبة تتميز بالاستمرارية في أداء الموشحات والأزجال والحوزي، والتي تُعرف بقصيد الموشح، ثم إن الميزة الأخرى الموجودة في هذه الأخيرة تتمثل في الإيقاعات المتتالية بخلاف الحوزي؛ فالإيقاع فيه واحد حتى وإن كان هناك نوع آخر من الحوزي يسمي ”المصنّع”؛ فالإيقاع فيه موجود في النوبة كالانصراف أو ميزان لقصير، لكن بوجه عام أقول إن الإيقاع في الحوزي أسهل من الإيقاع الموجود في النوبة.
لماذا وقع اختيارك على النوبة؟ شخصيا، أحب النوبة لأنها تضم موشحات متتابعة؛ فهي ليست كالحوزي، الذي يتميز بقصائده الطويلة التي تحكي موضوعا واحدا؛ فالنوبة تجعلنا ننتقل من موضوع إلى آخر. واسمح لي في هذا المقام بأن أقول إنني أخالف كل من يعتقد أن النوبة ثقيلة من حيث الأداء على الحوزي؛ أنا أحب التنوع في الإيقاع من الثقيل إلى الخفيف الذي تتميز به النوبة.. أحب هذا الانتقال من الموشح إلى الزجل، ثم إن أجمل ما تتميز به النوبة كونها تتطرق للأشياء الجميلة كالطبيعة وحب الإنسان؛ فهي لا تتكلم عن الحرب والحزن والمأساة.
كيف تنظرين إلى الطرب الأندلسي؟ أنا متفائلة جدا بمستقبل هذا النوع من الطرب الذي يعيش يقظة حقيقية، لكن هذا لا يكفي؛ فنحن مطالَبون اليوم بالعمل من أجل الحفاظ على النوبة، ومن ثم الانتقال إلى الإبداع والتطوير والسعي من أجل الحفاظ على هذا الموروث الفني.
هل النوبة الحالية فعلا من الموسيقى الأندلسية؟ سؤال وجيه، أقول لكم إنه منذ أزمنة لم تتطور النوبة؛ فقد ظلت كما هي، خاصة من حيث الأشعار المستمَدة من القرنين 16 و17 وحتى من القرن 19. وبالنسبة للموسيقى التي نؤديها فيقولون إنها أندلسية، إلا أن هذا غير صحيح؛ فنحن في الواقع نؤدي موسيقى مغربية وجزائرية، صحيح أنها جاءتنا من الأندلس، وأن الأشعار المعتمَدة هي من هناك أيضا؛ لذا يتوجب علينا نحن المتخصصين العمل من أجل تطويرها، لكن الإشكال الذي يبقى مطروحا هو من له القدرة على إعادة تشكيل النوبة حسب قواعدها وأسسها وأركانها وإيقاعاتها.
هل يمكن تطوير النوبة؟ نعم يمكننا تطويرها مادامت عرفت تطورات منذ قرون. أضف إلى ذلك فنحن اليوم نملك الوسائل والثقافة، وهناك معاهد فنية عليا متخصصة، فالفنان الذي لا يسعى لتطوير النوبة سيساهم، من دون شك، في القضاء عليها، والفنان في نظري ليس صوتا فقط، بل هو موسوعة وتواضع واجتهاد.
في رأيكم، ما هي العوامل المساعدة على عولمة الفن الأندلسي؟ عولمة الطرب الأندلسي أمر يبقى مرهونا بالدراسة العلمية الدقيقة والتحليلية وفهم مدلولاته وتلقينه على نطاق واسع في أوساط الشباب، وعبر مختلف المدارس الفنية المتواجدة عبر ربوع الوطن.
ما هي مشاريعك المستقبلية؟ حاليا أقوم بتسجيل ألبومي الرابع، كما أحضّر لنشاط فني ثنائي مع فنان يؤدي النوبة.
كلمة أخيرة أشكر يومية ”المساء”، التي أتاحت لي هذه الفرصة للتطرق، بوجه خاص، للنوبة، وألف تحية لقرائها.