يبدو أن وقع الحياة السريع قد أنسانا جملة من المفاهيم أسقطت معها كثيرا من أدبيات التعامل مع الأحداث، ومع المستجدات في جميع مناحي الحياة. وتجلّت انعكاسات هذا الوقع السريع بصفة جلية في الممارسة السياسية إن على مستوى الأحزاب وإن على المستوى الوطني، خاصة عند أولئك الذين يتطلعون لأن يصبحوا بين عشية وضحاها قياديين سياسيين، أو زعماء وطنيين ضاربين عرض الحائط بكل الأعراف السياسية والمميزات القيادية. ومما يمكن أن نسميها ”أمراض العصر السياسية” هو أن كل من انتسب إلى السياسة يرى في نفسه السياسي المحنّك الذي يضاهي في عبقريته ”المهدي المنتظر”، وبدونه لا يمكن لا للعباد ولا للبلاد أن تستقر أو تتقدم أو تسودها العدالة بجميع مفاهيمها. والأدهى من ذلك أن من هؤلاء من ينسى أو يتناسى أن هناك مواطنا يرقب، ويقدّر ويقارن قبل أن يختار، وأن الكلمة الفصل تعود له سواء أخطأ أو أصاب مادامت الديمقراطية تفرض ذلك. ومن أعراض أمراض السياسة أن الناخبين الذين يصفهم المترشحون بجميع الصفات الايجابية، بل والمبالغ فيها يتحولون بقدرة قادر إلى جهلة فقراء للوعي والتمييز لأنهم لم يختاروا هذا المترشح أو ذاك من تجار الأحلام وباعة الكلام المعسول. ومرض الأمراض في كل هذا هو أن لا يعترف المهزوم للفائز حتى لا نقول يهنّئه بفوزه، وذلك دليل غياب المروءة والاعتراف بالضعف من أجل بدء الاستعداد للمنافسة من جديد. فالشعب يدرك أكثر من أي كان أين تكمن مصالحه ومصلحة البلاد، كما يدرك بأن الدولة ليست مجرد مقاولة أو مؤسسة صغيرة، أو متوسطة يمكن تغيير نشاطها أو قانونها الأساسي بجرّة قلم عند مكتب توثيق. إن الثقافة التي تنقصنا وتكاد تغيب عند بعض بني جلدتنا، هو أن مصير البلد مرتبط بمصير جميع الفاعلين فيه سواء توافقوا على ذلك أم اختلفوا، وأن مصلحة الجميع هي في الحفاظ على استقرار البلد، والمساهمة في تنميته على جميع الأصعدة.