في ظروف يشوبها الغموض والتوتر، يستعد الشعب المصري ليطوي المرحلة الانتقالية، التي تلت إسقاط نظام حسني مبارك، ويختار رئيسا جديدا عبر الانتخابات المقررة ليومي 23 و24 ماي القادمين، والتي يتوقّعها الجميع بأن تكون حرة لأول مرة في عمر الجمهورية الممتد على طول 60 عاما، بعد أن كانت الاستحقاقات السابقة بما فيها تلك التي جرت عام 2005 واعتبرت آنذاك أول اقتراع تعددي، مجرد إجراء شكلي لتزكية الرئيس الحاكم الذي لا يتغير أبدا ولا يرحل إلاّ إذا طالته المنية. ويسعى المصريون من خلال الرئاسيات القادمة التي جرت وقائعها بالنسبة للجالية المقيمة في الخارج، إلى القطيعة النهائية مع النظام البائد الذي حكم لثلاثة عقود كاملة، ولم يتم التخلص منه إلاّ عبر ثورة 25 جانفي التي استمرت 18 يوما، وزلزلت الأرض من تحته لتسقطه في 11 فيفري 2011، ويتولّى الجيش المرحلة الانتقالية قبل تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، تتولّى صياغة دستور جديد للبلاد. كما يتطلّع المصريون أيضا إلى إقرار نظام ديمقراطي حقيقي، والنهوض بالاقتصاد الذي يشهد ضعفا شديدا انعكست آثاره على الشعب الذي أصبحت الملايين منه تعيش تحت خط الفقر وبين مخالب الفقر المدقع، في دولة لها من الامكانيات والثروات ما يمكنها من أن تجعل مواطنيها من أغنى شعوب العالم وأكثرهم تقدما وتطورا ورفاهية. ورغم العراقيل التي فرضتها هذه الجهة أو الاخرى، لمنع أو أو تأجيل إجراء الاستحقاق الرئاسي، والتي يمكن أن نستشفّها من خلال الجدل القانوني الذي أثير بشأن صلاحيات لجنة الانتخابات والحكمين القضائيين الصادرين يوقف الانتخابات وبطلان قرار إحالة قانون العزل السياسي إلى المحكمة الدستورية العليا، فإنّ المصريين الذين ملّوا حالة الفراغ السياسي وما خلّفته من فوضى، وسئموا من التماطل الذي تبديه القيادة العسكرية المؤقتة، خرجوا إلى الشوارع وملأوا الميادين للمطالبة باستعجال انتخاب رئيس جديدة حتى لا يسرق أحد تضحياتهم أو يقتل أحلامهم. وتحت الضغط رضخ المجلس العسكري لضغط الشارع، وحدّد موعد الحسم ليتوّج عملية بناء مؤسسات الدولة، التي دشّنت الخريف الماضي بانتخاب مجلس الشعب الذي أصبح لأول مرة في تاريخ أرض الكنانة تحت قبضة الاسلاميين، الذين أزهر عهدهم على ما يبدو في هذا الربيع العربي، بعد شتاء طويل حصدها خلاله الكثير من الأشواك والويلات. ضمانات لنزاهة الاقتراع لم يقتنع المصريون يوما بنزاهة الاستحقاقات الرئاسي، لأنّهم يدركون بأنه مزور مسبقا من خلال المواد الدستورية التي تضع قيودا تعجيزية أمام أي مواطن يرغب في الترشح، حيث تسدّ عليه الطريق ولا تفتحها إلاّ أمام مرشح الحزب الوطني الحاكم الذي لا يكون في نهاية الأمر غير الرئيس الذي يسعى لتمديد ولايته ليصبح الاقتراع مجرد تحصيل حاصل وإجراء شكلي. وقد حاول الشعب المصري الضغط على النظام السابق لإلغاء هذه المواد الدستورية الاقصائية، لكنهم عبثا حاولوا دون نتيجة إذ استمرر مبارك يمدّد ويعدّد ضاربا بسخط الشارع عرض الحائط، ولمّا فكّر في التقاعد السياسي قرّر توريث الكرسي لنحله جمال، فكانت القطرة التي أفاضت الكأس وحرّكت الشارع ضدّه لتجبره على التنحي. وأول ما بادر إليه المصريون بعد استعادة حريتهم، هو إجراء تعديلات دستورية على المواد التي كانت بمثابة المقصلة لكل من يرغب في الترشح للرئاسة، الذي هو في الأساس حق مشروع لكل مواطن. وفي 19 مارس 2011 جرى استفتاء شعبي تمّ بموجبه تعديل ثماني مواد وإلغاء واحدة، وأقرّت التعديلات أن تكون مدة الرئاسة أربع سنوات لا تتكرر إلا مرة واحدة، وتخفيف الشروط على المترشحين ممّا يسمح للمستقلين والمنتمين لأحزاب صغيرة بالترشح، ومعلوم أنه وفق الشروط السابقة كان من المستحيل على من لا ينتمي للحزب الحاكم الترشح. كما نصت التعديلات على أن يكون المرشح مصريا من أبوين مصريين، ولا يقل عمره عن 40 عاما، ومنعت من يملك جنسية مزدوجة أو متزوج من أجنبية من الترشح. 13 مترشحا بانتماءات مختلفة يتنافس على الرئاسة المصرية 13 مترشحا هم: أبو العز الحريري مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، محمد فوزي عن حزب الجيل الديمقراطي، حسام خير اللّه عن حزب السلام الديمقراطي، هشام البسطويسي مرشح حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، عبد الاله الأشعل مرشح حزب الأصالة السلفي ومحمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة. كما تتضمّن القائمة المرشحين المستقلين وهم: عبد المنعم أبو الفتوح، محمود حسام، عمرو موسى، خالد علي، محمد سليم العوا، حمدين صباحي والفريق أحمد شفيق. وإذا كان هنالك من يقسّم المترشحين إلى قسمين بين من ينتمي لأحزاب أو مستقلين، فهناك من يقسّمهم إلى ثلاثة فئات أولها فلول النظام السابق، وهم: شفيق وموسى ومعهم المسؤول السابق في المخابرات حسام خير اللّه ومحمد فوزي ومحمود حسام، وثاني فئة تضم مرشحي التيار الاسلامي، وهم: محمد مرسي عن حزب الحرية والعدالة، وعبد الاله الاشعل الذي كان انسحب من السباق لمصلحة القيادي الاخواتي خيرت الشاطر قبل أن يعود إليه بعد استبعاد الشاطر. وتضمّ الفئة الثالثة التي يوصف مرشحيها بالثوريين حمدين صباحي وخالد علي، و أبو العز الحريري وهشام البسطويسي. موسى وأبو الفتوح الأوفر حظا...! تشير مختلف الاستقراءات إلى أن المنافسة على الرئاسة المصرية ستنحصر أساسا بين مرشحين أساسيين، هما عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية وشغل وزيرا للخارجية في عهد مبارك، فضيلة دفوس وعبد المنعم أبو الفتوح الذي يعتبر رهان الاسلاميين الرابح. وقد جرت قبل أيام مناظرة تلفزيونية بين الرجلين، دامت 4 ساعات وجذبت ملايين المصريين، الذين لم يشاهدوا مناظرة مصرية في حياتهم وتمّ خلالها تبادل الاتهامات بين المترشحين سواء بالانتماء إلى النظام السابق بالنسبة لموسى أو إلى جماعة الإخوان المسلمين وفقدان التجربة بالنسبة لأبو الفتوح. كما تطرّقت المناظرة إلى برنامجي المرشحين بخصوص النهوض بالاقتصاد وإصلاح قطاع الصحة والتعليم، ومحاربة البطالة والفقر والشعوائيات، وتناولت وجهة نظرهما بشأن السياسة الخارجية. وقد تقاطع موسى وأبو الفتوح في عدة مسائل، واتفقا على إعادة النظر في اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1979 دون إلغائها، لكنهما اختلفا في وصف إسرائيل وتسميتها، حيث سماها أبو الفتوح “عدوا”، واكتفى موسى بوصفها “خصما”، ولهذا لم تخف إسرائيل تفصيلها للمترشح عمرو موسى، وقد أعلنت بعض الأوساط فيها، بأنها تتمنّى أن يكون هو رئيس مصر القادم، خاصة وهي تحتفظ له بموقف مميز صب في صالحها، عندما رفض المغادرة مع الرئيس التركي الذي خرج من اجتماع “دافوس” محتجا على جرائم الصهاينة في حق أبناء غزة. المهمة صعبة والحمل ثقيل بعد أسبوع سينتخب المصريون رئيسهم الذي سيتولى بدون شك حملا ثقيلا، ويواجه إرثا مكدسا بالمشاكل والمصاعب التي تمس جميع القطاعات ومناحي الحياة، وعليه أن يبادر إلى حلحلة كومة من الأزمات التي طفت إلى السطح بعد سقوط مبارك بدءا بإقرار الأمن والاستقرار، إذ شهدت الفترة الانتقالية الممتدة على طول 15 شهرا اضطرابات وصدامات ومواجهات تسبّبت في إزهاق عشرات الأرواح، بدءا بأحداث مايسييرو ومجلس الوزراء، مرورا بمذبحة ملعب بور سعيد ووصولا ألى أحداث الاسماعيلية قبل أيام، وعليه في ذات الوقت أن يعيد اللحمة بين أفراد الشعب، خاصة بين المسلمين والاقباط، وأن يسارع إلى إقرار علاجات شافية للاقتصاد المريض، ومحاربة آثاره المدمرة على الشعب المصري. ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة للرئيس القادم هو حل مشكلة أكثر من مليون مصري فقدوا وظائفهم منذ ثورة جانفي والتحقوا بجيش البطالين، ممّا جعل مؤشر البطالة يرتفع إلى 13٪، وعليه أيضا إيحاد حل لمشكل الديون، التي بلغت 240 مليار دولار، وخدماتها التي تصل في اليوم الواحد إلى 50 مليون دولار، ومواجهة مشكلة الفقر التي ارتفعت نسبتها لتصل إلى 25٪، أي ربع عدد سكان مصر البالغ 82 مليون نسمة، ومحاربة الفقر المدقع الذي بلغت نسبته 1 ، 6٪. ومعلوم أن خط الفقر يحسب على أساس من يبلغ دخله الشهري 256 جنيه للفرد، أي ما يعادل 6 ، 42 دولار أو أقل من دولارين في اليوم، أما الفقر المدقع فيطبق على من يبلغ دخله الشهري 173 جنيها وهو ما يعادل 6 ، 26 دولار شهريا، أي أقل من دولار في اليوم حسب ما أورده الجهاز المركزي للتعبئة والاقتصاد. لذا على الرئيس المصري القادم أن يحارب الفساد في كل مفاصل الدولة، وأن يقرّ العدالة الاجتماعية ويلتفت إلى الفئات المحرومة فيحسن ظروفها، ويجعلها تحسّ بأن النظام فعلا تغير وبان تضحياتها لم تذهب هباءً منثورا. وكما تبدو المهمة ليس سهلة بالمرة، وتتطلب مشاركة المصريين كل في مجاله لإعادة بناء مؤسسات الدولة والنهوض بالاقتصاد والدفع بأرض الكنانة نحو التقدم والازدهار، فهل ستتم الرئاسيات في ظروف هادئة؟ ومن سيكون رئيس مصر القادم؟ الجواب سيتجلّى بعد أسبوع.