أفرد مركز جيل للبحث العلمي مسابقة ”جيل الأدب السنوية” هذه السنة ل”إحياء فكر ومؤلفات الناقد الجزائري الدكتور محمد مصايف”، وحدد 20 جوان آخر أجل للتسجيل، وللراحل مصايف مسيرة حافلة بعطاءات علمية كثيرة، وببحثه عن خطاب نقدي يجاوز راهنية نقدية مؤسسة على واقع جمالي مسيج بالتزام نقدي ومساءلة تعول على الاستقراء والاستنتاج، ثم التقييم. يطلق مركز جيل البحث العلمي مسابقة سنوية لأفضل بحث يتناول مواضيع أدبية وفكرية، تستهل بالبحث في مؤلفات الدكتور مصايف من أجل تعريف الجيل الجديد من الباحثين بمؤلفاته ومسيرته العلمية الحافلة، بالبحث في المحاور التالية؛ ”المدرسة النقدية عند الدكتور محمد مصايف، الرؤية والمنهج”، ”الأزمة النقدية في الجزائر من منظور الدكتور محمد مصايف”، ”الكتابة الإبداعية لدى الدكتور محمد مصايف” و«اللغة والهوية من منظور الدكتور محمد مصايف”. وبمناسبة إطلاق الجائزة، استقبلت ”المساء” بمقرها نجل الراحل، وهو السيد مصايف غليب الذي أكّد أنّ الجائزة مساهمة في إحياء تراث الراحل العلمي بعد سنوات طويلة من النسيان، والفضل في ذلك يعود إلى مركز جيل البحث العلمي بالجزائر الذي ترأسه الدكتورة طالبي سرور، والذي عمل على إعادة الاعتبار لهذه الشخصية المغمورة، وكذلك بفضل الدكتورة غزلان هاشمي رئيسة تحرير مجلة ”جيل للدراسات الأدبية والفكرية” التابعة للمركز، وهي جزائرية مقيمة بلبنان، تعمل بالجامعة الأمريكية هناك، لذلك قامت بإبرام اتفاقية بين المركز والجامعة الأمريكية وستسلم الجائزة بالعاصمة بيروت. ولد الراحل بمدينة مغنية سنة 1924 وحفظ القرآن في صباه، ثم تتلمذ في مدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء المسلمين بمغنية إلى غاية عام 1943، ليواصل دراسته في جامع القرويين بفاس المغربية، وحين اضطهده الاستعمار الفرنسي بعد انتسابه إلى حزب الشعب الجزائري، سافر إلى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة إلى أواخر سنة 1951، بعدها عاد إلى الجزائر ليشرف على إدارة مدرسة حرة بمغنية، ليلقى عليه القبض بعد اندلاع الثورة سنة 1954 ويطلق سراحه بعد أشهر قليلة، وهاجر عند خروجه إلى فرنسا ليعمل ويدرس ويناضل سرا حتى الاستقلال، لينتسب سنة 1965 إلى جامعة الجزائر ويحرز فيها على دكتوراه الحلقة الثالثة سنة 1972 عن رسالة بعنوان ”جماعة الديوان في النقد”، كما أحرز دكتوراه دولة من جامعة القاهرة سنة 1976 عن أطروحة بعنوان ”النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي”، أشرفت عليها الدكتورة سهير القلماوي التي كتبت عن مصايف في الصحافة الجزائرية، تسرد فيها علاقتها بالراحل الذي كان ملتزما أخلاقيا ووطنيا، وكان باحثا وطالب علم، معتدلا في أحكامه، موضوعيا في ملاحظاته، إضافة إلى ذكائه وصبره وشجاعته وجرأته، وكانت القلماوي متّصلة بالراحل من خلال الطلبة الجزائريين الدارسين بالقاهرة، وتمنت أن يصبحوا امتدادا له. عاد الراحل إلى الجزائر، ليلتحق بمعهد اللغة والأدب العربي أستاذا لمقياس النقد الأدبي الحديث والمعاصر وأصبح مديرا له من عام 1984 إلى غاية سنة 1986 وكان يكتب باستمرار في الصحافة الوطنية، كما كان يعد برنامجا إذاعيا أسبوعيا بعنوان ”الصحافة الأدبية في أسبوع”، وساهم الراحل أيضا في بناء وطنه وإرساء ثوابته التي ناضل من أجلها أبناء الحركتين الوطنية والإصلاحية ومات من أجلها الشهداء، ومن هذه الثوابت؛ قضية التعريب التي ظلت تؤرق كيانه حتى لحق بالرفيق الأعلى. احتك الراحل بالأساتذة والنقاد المشارقة الذين وفدوا إلى الجزائر بعد الاستقلال، خاصة بجامعة الجزائر منذ سنة 1965، إضافة إلى إقامته بالقاهرة، وقد أثرت هذه المرحلة مساره الأدبي خاصة في مجال النقد، وترك الدكتور مصايف العديد من المؤلّفات المطبوعة وقليل منها مايزال مخطوطا، ومن هذه الأعمال التي شغلت الساحة الأدبية ”جماعة الديوان في النقد” وهي عبارة عن رسالة دكتوراه الحلقة الثالثة بجامعة الجزائر، طبعت سنة 1974 بقسنطينة، كما أصدر ”النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي من أوائل العشرينات إلى أوائل السبعينات”، قامت بنشره ”الشركة الوطنية للنشر والتوزيع” في طبعة ثانية سنة 1984، وهو عبارة عن رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة بإشراف سهير القلماوي، تلميذة طه حسين، سنة 1976، وخلص فيها الراحل إلى جملة من القضايا والمواقف الأدبية منها ”أنّ النقد الأدبي المغاربي الحديث ما هو إلاّ امتداد طبيعي للنقد بالمشرق العربي، ومطالبته بعض النقّاد الواقعيين وفي المغرب العربي في وضوح إلى الأصالة في الإبداع الفني وعدم الانسياق وراء المذاهب والأشكال الفنية الوافدة”، كما ركّز في هذه الرسالة على توضيح موقف نقّاد المغرب العربي من موسيقى الشعر. أمّا كتابه ”فصول في النثر الجزائري الحديث” فعبارة عن دراسات ووثائق قام بنشر الكثير منها في بعض الجرائد الوطنية، خاصة جريدة ”الشعب”، عمل على جمعها في كتاب سنة 1974 لتعاد طباعتها سنة 1981، هناك أيضا كتاب ”في الثورة والتعريب”، ”الرواية العربية الجزائرية بين الواقعية والالتزام”، ”النثر الجزائري الحديث” و”المؤامرة” وهي الرواية الوحيدة للراحل مصايف. للراحل 3 مؤلفات أخرى مخطوطة موجودة الآن بالمكتبة الوطنية بالحامة وهي ”المناهج النقدية المعاصرة”، ”أحاديث في الأدب والنقد” و”عن الثورة الفلسطينية”، هذا الأخير عبارة عن مقالات نشرت أغلبها في الصحافة الوطنية. وعن هذه المخطوطات، يشير ابن الراحل، السيد غليب في حديثه ل”المساء”، إلى أنّه تم إهداؤها للمكتبة الوطنية مع مكتبة الراحل سنة 2007، ووعد السيد أمين الزاوي الذي كان آنذاك مديرا للمكتبة في مراسم التسليم بنشرها، لكن لحدّ اليوم لم تنشر، بالتالي فإنّ أسرة الراحل تطالب بها وباسترجاعها لأجل طبعها. في هذا اللقاء، ثمّن السيد غليب مبادرة جامعة مغنية، بإشراف من عميدها السيد زين الدين مختاري، التي نظّمت سنة 2009 ندوة عن الراحل وأطلقت اسمه على أحد المدرجات، ومن التكريمات التي نالها الراحل بعد وفاته؛ وسام مع شهادة تقدير سلمت من طرف الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لعائلته سنة 1989، ثمّ حصوله على شهادة تقديرية من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سنة 2002، وفي سنة 2007 قدمت لعائلته شهادة شكر وعرفان من المكتبة الوطنية بعد تبرّعها بمكتبة الراحل، فخُصص لها جناح يحمل اسم مصايف. من المناصب التي شغلها الراحل، منصب أمين عام مساعد باتّحاد الكتاب سنة 1976، وكان عضوا في الوفد الجزائري بمؤتمر الأدباء العرب سنة 1975، كما كان مسؤول مركز التعريب بجامعة الجزائر ومسؤول الشعبة الأدبية في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر، وأيضا رئيسا لمجموعة الأدب الجزائري الحديث والمعاصر في إطار الهيئة الوطنية للبحث العلمي التابعة لوزارة التعليم العالي، مثلما ألقى المرحوم العديد من المحاضرات في مختلف الملتقيات الأدبية. وفي شأن متّصل، يتساءل منظّمو جائزة مصايف بعد مرور سنوات طويلة على رحيله عن سبب هذا الغياب وتجاهل ذكراه، خاصة من طلبته وأحبائه، وللتذكير، قام الأديب والمترجم محمد ساري بتخصيص شهادته في قسم الماجستير عن الراحل بعنوان ”النقد الأدبي مناهجه وتطبيقاته عند الدكتور مصايف”، وكانت ذات طابع تكريمي، كما أكّد نجل الراحل مصايف غليب ل”المساء”، أنّ الأستاذ ساري يجتهد مع عائلة الراحل من أجل إعادة بعث وطبع أعماله. للإشارة، تشرف على الجائزة الدكتورة غزلان هاشمي، رئيسة تحرير مجلة ”جيل للدراسات الأدبية والفكرية”، وتعمل هذه الجهة الثقافية على إبراز محاولات الحركة النقدية الجزائرية في تأسيس وعي نقدي يختلف في ارتكازاته عن كل راهنية نقدية سائدة، بالنظر إلى انبثاقه من سياقات مختلفة وإن تراوحت هذه المرتكزات بين الموضوعية والذاتية، ولكون الساحة النقدية الجزائرية تعج بأسماء نقّاد منهم من أسعفه حظ البحث المتجدّد في فهم خطابه النقدي ومنهم ما سيّج بصيغة تغييب وإقصاء وتهميش، لذلك اختارت الجائزة مسيرة باحث استطاع أن يقدّم منظورا نقديا مغايرا، لكن الصمت غيّبه. وتتزامن الجائزة والذكرى السابعة والعشرين لرحيل أبرز النقّاد العرب في العصر الحديث، والتي تصادف 20 جانفي 1987، ففي مثل هذه التاريخ من سنة 2015، سيتم الإعلان عن النتائج.