بنشر الاقتراحات المتعلقة بتعديل الدستور، وتمكين كل أفراد المجتمع من الاطلاع عليها، لن يبقى هناك مبرر في القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة الوقت والحبر والمال، بل الأفيد هو هضم وتشريح هذه الاقتراحات التي تعد استفتاء ينبع من عمق القاعدة الشعبية على اختلاف رؤى الأفراد وتباين تفسيراتهم. والآن، وقد تمت تلبية مطلب الملحين على إعادة النظر في الدستور، فإن الواجب ممن هم مسؤولون أمام أحزابهم وتشكيلاتهم السياسية أن يشمّروا على سواعدهم، ويخرجوا كل ما أوتوا من قوة الاقتراحات، وإبراز أحسن التوجيهات لإثراء هذه المسوّدة، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود نية الإصلاح، وتغليب المصلحة العليا على المآرب الضيقة لدى الأطراف الفاعلة في هذا المجال، وستظهر بلا شك نقاط خلاف أو اختلاف، وقد يجعلها البعض مشجبا لتعليق قصورهم وضمورهم وهشاشة شعبيتهم، وقد يحاول البعض الآخر تضخيم البسيط وتقزيم المهم، وليس في ذلك ضير بقدر ما هو تكريس للعبة الديمقراطية، وإضفاء الشرعية على نزاهة العملية. وسوف تكون الدعوات المائة والخمسون التي وجهتها رئاسة الجمهورية، لمختلف الهيئات والشخصيات الوطنية، حجة على المتأخرين عن هذا الاستحقاق الذي يحمل في طيّاته متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ويسلط الضوء على نقاط مفصلية لغلق الأبواب أمام الرياح التي تعكّر صفو الحياة السياسية وغيرها، وتقطع الطريق أمام دعاة التغيير عن طريق العنف والفتنة والتحامل، واستعمال كل الوسائل الدنيئة للوصول إلى الغاية الأدنأ. ستكون الأيام القادمة بلا شك مسرحا للأطروحات المتباينة من طرف السياسيين والقانونيين ومختلف الفاعلين في الميادين الأخرى، والأمل أن يرقى الجزائريون خلال هذه المحطة إلى هضم المسوّدة والتدقيق في المقترحات، والإسهام في الإثراء الإيجابي، للخروج في الأخير بدستور توافقي يستوعب كل الرؤى ويستوفي نقاط الظل، ويجيب عن جملة التساؤلات التي ظهرت وتظهر خلال مناقشة مسوّدة صارت اليوم في شباك القاعدة العريضة.