الحديث هذه الأيام عن تعديل الدستور صار محل نقاش، ومادة خصبة لوسائل الإعلام على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، فأن تطرح الأمر للنقاش والمدارسة والتمحيص فهذا هو لبّ المهنية وعين الاحترافية، بطريقة يُستدعى لتنشيطها أصحاب الصنعة وأهل الاختصاص، أما أن يصبح أمر مناقشة هذا الملف المهم من طرف الناقمين على كل شيء (ماعدا أنفسهم ومآربهم)، ويقدّمون على أساس أنهم الكل في الكل فإن ذلك مجانب للصواب ومخالف للحقيقة. وحتى لو أن الأمر يتعلق بطرح مسوّدة الدستور على القاعدة العريضة للإثراء وإبداء الرأي، فإن الذين يتعلّقون بنظرية (خالف تُعرف) سيظهرون مرة أخرى على الساحة، وستطفو رغاويهم إلى السطح وتتسرب تعاليقهم بمختلف ألوانها عبر القنوات القديمة والجديدة، كما سيصولون ويجولون ويحاولون جر النار إلى قرصهم حتى تنضج، مستعملين كل ما أوتوا من وسائل الدغدغة والإغراء والإطراء، ويستعرضون عضلاتهم من خلال تسويد كل بياض، وليس ذلك خافيا على الرأي العام الوطني وحتى الدولي الذي يعرف الغثّ من السمين. من دون شك سوف يركب من فاتهم قطار النجاح السياسي والتألق الاجتماعي قطارا آخر للحاق بالركب، وإيجاد الفرصة السانحة لمخاطبة القاعدة ومحاولة إقناعها برؤاهم فيما يخص الدستور بكل ما يحتويه من نقاط القوة والقصور، لكن ليس المشكل في ذلك، بل خطابات الإحباط والإسقاط وأفكار التثريب والترهيب، ومحاولات التفرّد والتمرد، هي التي تشوش الأمور وتعكّر صفو الحياة السياسية والاجتماعية، ولا تترك من باستطاعتهم الغربلة والتنقيح والتصحيح في راحة من أمرهم، وتعد هذه التصرفات التي لا تنتج شيئا بل تستهلك كل منتوج أشبه بمن يهدم لأجل الهدم، ويتكلم من أجل الكلام، حتى يثبت أنه موجود. وسوف تكون مرحلة التحضير لتعديل الدستور محطة أخرى تنزل أطرافا وترفع أخرى، وتعرّي العديد من الحقائق التي غطتها المساحيق السياسوية، وهي النتيجة الإيجابية التي يمكن أن تكون من بين العوامل التي تحفظ وحدة الأمة، وتجنّبها من الانزلاقات التي لا تحمد عقباها.