تمر اليوم الذكرى السادسة والخمسون على اندلاع ثورة الضباط الأحرار بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والتي أطاحت بالنظام الملكي في مصر الذي قاده المللك فاروق.وانهت ثورة الضباط الاحرار في الثالث والعشرين من شهر جويلية حكما رجعيا استبداديا حكم مصر لاكثر من قرن ونصف لتكون بذلك ثورة غير مسبوقة وحدثا تاريخيا من أهم الأحداث التي شهدها العالم الثالث بداية القرن الماضي. وكان الانقلاب على حكم المالك الفاروق بمثابة ثورة شعب بأكمله تبناها بمجرد الاعلان عنها كون مبادئها عبرت عن آماله وطموحاته في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. ولم يكن للشعب المصري ان لا يتبنى مبادئ هذه الثورة وهي التي شكلت انقلابا جذريا على نمط حكم ارستقراطي استأثرت خلاله العائلة المالكة والحاشية المحيطة بها بخيرات بلد بأكمله في وقت بقي فيه عامة الشعب المصري يعيشون ظروفا مأساوية بسبب الاحتكار الذي فرضته هذه العائلة والشركات التي تمتلكها على خيرات مصر. ولم يقتصر تأثير هذه الثورة مقتصرا على الشعب المصري بل كان لها تأثير مباشر على كل الدول العربية التي كانت حينها تحت الاستعمار الاوروبي بل تعداها الى الدول الفريقية وحتى امريكا اللاتينية واسيا الى درجة جلعت العديد من المؤرخين يصفونها ب"الثورة الأم" لتتجاوز بذلك التأثير الكبير للثورة الفرنسية في أوروبا. ويرى هؤلاء أن ثورة 23 جويلية تختلف عن غيرها من الثورات المصرية السابقة كونها جمعت بين الثورة على الحكام من أبناء أسرة الخديوي والاستعمار البريطاني. ومن بين عوامل نجاحها إعلانها عن ستة مبادئ عبّرت جميعها عن طموحات ومطالب الشعب وهي القضاء على الاستعمار وأعوانه والقضاء على الاقطاع والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال واقامة عدالة اجتماعية واقامة جيش وطني قوي واقامة حياة ديمقراطية سليمة. كما جسدت حلم المصريين في وطن حر بإنهائها للوجود البريطاني بتوقيع اتفاقية الجلاء في 20 أكتوبر عام 1954 بعد 74 عاما من الاحتلال وهي الاتفاقية التي تقرر بموجبها انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس خلال عشرين شهرا. وتمكن قيادة الثورة المصرية على مواصلة المسيرة رغم الهزات التي واجهتها في سنواتها الاولى وكان العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الاسرائيلي بمثابة اكبر محاولة لاجهاضها في مهدها ولكن المحاولة فشلت ومنيت القوى الثلاثة بهزيمة كبيرة. وزادت هذه الهزيمة في اصرار قادة الثورة على مواصلة المسيرة باصلاحات داخلية جذرية رافقتها سياسة خارجية متوازية اعطت لمصر الدور المحوري لها في العالم العربي وافريقيا من خلال دعمها لثورات التحرر التي عرفت الدول الافريقية التي كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي والبريطاني والبرتغالي وحتى الالماني والاسباني. ولكن التركيز انصب بشكل كبير على القضية الفلسطينية التي جاءت في مقدمة القضايا المتعلقة بقضايا التحرر الوطني عربيا. وهي نفس السياسة التي اعتمدتها في تعاملها مع الحركات التحررية سواء في القارة الإفريقية وكل العالم الثالث.