سليمان بشنون، مجاهد وكاتب خرج من رحم الحياة الريفية ،عاش طفولته بوسائل البراءة تعلم ماتيسر من القرآن في المساجد القرآنية ، صنعته الحياة فساهم في صناعة الحياة بتضحياته من أجل استرجاع وطن مفقود، كبرت معه الوطنية، وما إن هبت رياح الثورة حتى كان من أوائل الشباب الذين لبوا النداء، احتضنته الثورة فأحتضن آمال أمته ليكون واحدا من أبنائها البررة مجاهدا، ونحن على أبواب عيد الاستقلال والشباب سمحت لنا الفرصة بان نلتقي بهذا المجاهد الفذ ، فحاورته وأخذنا بأطراف الحديث وكان الحوار شيقا وممتعا ومحزنا في بعض الأوقات لأنه عاد بذكرياته الأليمة والسعيدة وخاصة طفولته . من هو المجاهد سليمان بشنون؟ سليمان بشنون انحدر من عائلة تشتغل في الفلاحة وهي عائلة متوسطة الحال تنتمي إلى قبيلة بني عمران وهذه القبيلة جاءت نازحة من نواحي الساقية الحمراء حيث استقرت بمنطقة " تاكسانة " وهي منطقة جبلية غابية تابعة لولاية جيجل والمهم انه ولد ونما وترعرع في ظل هذه العائلة التي كان بعض أفرادها يحفظون القران الكريم حفظا تاما كان مولده " برأس فرجيوة " وفرجيوة كانت تحت الحاكم العثماني " بوعكاز " وهي الآن تابعة لولاية ميلة ولد في هذا المكان سنة 1923 غير انه فقد أباه وهو في السنة الثالثة من عمره فتولت أمه تربيته مع أنها كانت متزوجة بابن عمه وبما أن الأسرة تهتم بالأرض وتعيش على الفلاحة وتتعاطى تربية الحيوانات والدواجن لتغطية مطالب النفقة. فإنني عندما بلغت السادسة آو السابعة من عمري كلفت برعاية الخرفان مع واحد من أبناء عمومتي المسمى " صالحا"وبقيت أرعى الخرفان لاسيما في فصل الربيع عندما تخضر المزارع وتنمو المزروعات وتصبح العائلة والأسرة في حاجة إلى لبن الشياه والبقر وبالتالي لعزل الخرفان عن أمهاتها والحيلولة بينها وبين الرضاع حتى عودة الشياه إلى البيت عندئذ يسمح للشياه الاتصال بالأمهات لان الحليب قد انتزع ولم يبق منه إلا القليل كنت عندما اذهب مع ابن عمي لحراسة الخرفان اسمع التلاميذ وهم يقرؤون القران الكريم تحت إشراف معلم القران كما يتعلمون الكتابة والقراءة على الطريقة التقليدية وكنت أرى العصا في يده وهو يلوح بها بين الحين والآخر أو ينزل بها عقابا لبعض التلاميذ ومع ذلك فقد كنت مشتاقا إلى الفرصة الملائمة لأكون واحدا منهم وهكذا أخذت الفكرة تحتل في القلب والعقل والمشاعر. كيف تحديت كل الصعاب والتحقت بالمدارس ؟ أجاب المجاهد وهو ضاحكا وسرد لنا قصته ومعاناته قبل التحاقه بالجامع ثم المدرسة موضحا قائلا : ذات يوم والرذاذ ينزل على المزارع ويجعل التحرك فيها عسيرا اقترحت على ابن عمي ان نلتحق بالجامع الذي كان معدا لتعليم القران فأبى ان يؤيدني في البدائية غير أنني أقنعته بالفكرة ولذلك فقد تركنا الخرفان وسط المزرعة التي لها حدود مع المزارع الأخرى التي يملكها أعمامنا ولما رانى المعلم عمار بلمفرج ابتسم في وجهي ثم قال لي : أهلا بولد عمي شريف لماذا جئت ؟فأخبرته بالمهمة التي جئت من اجلها فرحب بي أكثر ثم أجلسني بجنبه والفرح يكاد يطير به وهكذا قضينا الصبيحة في الحلقة مع التلاميذ دون ان نهتم بالخرفان ولم ندري أن الواقعة وقعت بالفعل حيث انتشر الخرفان في المزارع الأخرى الأمر الذي حير الأسرة برمتها. المهم أننا عدنا الى الدار بعد انتهاء فترة التعليم فاستقبلتني أمي وأخذت توبيخي وتحذرني من مغبة هذا الفعل قائلة لي : الا تخافهم يا بني ؟ انت يتيم وعليك ان تفهم هذا .والا فستدفعني دفع الثمن عنك وهذا بعدما عرفت اين كنا ومن اين جئنا غير أنني لم أعط لتهديداتها ولا لنصائحها ما تستحق من الاهتمام بل أكدت لها أنني سأعود إلى الجامع والجامع في ذلك الوقت يعني المكان المخصص لتعليم القران وهكذا أخذت العلاقة بيني وبين المعلم تزداد توثقا وتماسكا لأنني تعلمت القراءة والكتابة بسرعة كما كنت أحفظ ما في لوحتي وما في بعض الألواح الأخرى وهكذا فقد كنت انتقل من معلم إلى معلم وكنت اطمح إلى أن أكون عالما خاصة بعدما أشاهد الشيخ " عبد المجيد حيرش "العالم المتخرج من جامع الزيتونة وهو يرتدي ثيابا تونسية وفي سنة 1938 بالتقريب التحقت بمدرسة كبيرة بتكسانة أسسها الشيخ " بلقاسم بن منيع " وكان يشرف عليها ويعلم بها التعليم الديني واللغوي وكان يقول بان هذا التعليم عبادة من اجل العبادات وهو في الحقيقة رجل صوفي عابد يقوم الليل ويصوم النهار وله كرامات عشتها بنفسي من أهمها انه يقول لي كما يناديني " يا بو الدماغ "وقد هدا لي شاشا كما كان يحب أن اجلس الى جنبه وهو جالس على كرسي أمام الغابة ليستعيد أنفاسه من كثرة الدروس التي كان يلقيها ومن كثرة المعاناة التي كان يعاني منها المهم أنني بقيت ملازما له ولدروسه مدة ثلاث سنوات غير أن أثار الحرب أرغمتني على العودة إلى الدار ب فرجيوة.
ماهي أصعب المراحل التي عشتها في حياتك ؟ إن حياتي كانت مملوءة بالمخاطر والصعاب خاصة في فترة الثورة أتذكر انه في سنة 1944 صممت على ان التحق بمدرسة في تبسة كان يديرها الشيخ العربي التبسي رحمه الله وكان بها أساتذة تخرجوا من الزيتونة منهم الشيخ العيد مطروح غير أنني عدت أدراجي إلى فرجيوة وفي سنة 1945 وبعدها عزمت على الرحيل إلى تونس والحرب قائمة وأثارها مفزعة والتموين لا يمكن الحصول عليه إلا بورقة التموين والذي يمنحها هو الحاكم الفرنسي المهم ان افراد العائلة وقفوا في وجهي لان السفر يعتبر مغامرة عواقبها وخيمة فالألمان يحتل الجهات التونسية والليبية والأمريكان في الجهات الجزائرية والمغربية للتعاون مع الجنيرال ديغول وهذه المرحلة كانت من اشق وأصعب المراحل التي عشتها في حياتي ولعل من أهمها أنني تعرضت للموت والعطش والجوع بل لقد القوا عليا القبض في الغابة وبعد أن جردوني من كل شيء عندي سمحوا لي بالالتحاق ب كلاجاردة " وهي منطقة حدودية مع تونس ............................................................................ هذا الفراغ اترك الحديث عنه لان الوقائع التي حدثت لي خطيرة وكثيرة المهم أنني وصلت إلى تونس صباحا بكرة فوجدت نفسي ضائعا لأنني لأول مرة أرى ما عليه المدينة من الاكتظاظ والمارة والسيارات توجهت الى جامع الزيتونة حيث أنني صدفة وجدت الأستاذ احمد بوزراق وهو الذي تكلف بي في السكن والتموين على شرطين وهما 1-أن أتولى الطبخ لأنه كان يحضر شهادة التعليم النهائي 2- لأنه كان يعاني من الاحتياج ولذلك فقد باع لي ورقة التموين لأنه كان يملك اثنين منهما وهكذا التحقت بجامع الزيتونة والتعليم به لا يسمح إلا لمن يملك شهادة ولهذا سمحوا لي ولغيري من الجزائريين بالمشاركة في امتحانات المسابقة فكان من حظي أنني نجحت إلى السنة الثالثة. ماذا يمثل لك عام 1951 ؟ سنة 1951 يمثل لي الكثير والكثير فقد تحصلت على شهادة التحصيل كما اتفق الطلبة الجزائريون خلال هذا العام على إسناد رئاسة بعثة جمعية العلماء المسلمين إلي على ان أتلقى 60 دينار للشهر كمعلم في مدارسها المهم أنني أصبحت أستاذا بمعهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة ثم وقع الاختيار علي لإدارة مدرسة الشبيبة بتيزي وزو وذلك بعد أن عزم أفراد جمعية المدرسة هناك على تسليمها إلى الأكاديمية الفرنسية بدعوى أن أتباعهم في حاجة إلى وظائف تمنحها لهم مدرسة الثعالبية التي هي واحدة من ثلاث مدارس قسنطينةالجزائر وتلمسان حاولت أن اعتذر لكن الشيخ البشير الإبراهيمي الزمني فالتحقت بالمدرسة مدرسة الشبيبة بتيزي وزو وأشرفت عليها لمدة سنة بل أنقذتها مما كان يبيت لها ونتيجة لخلافات قصتها طويله جدا بيني وبين جمعية مدرسة الشبيبة طلبت الانتقال وكان من نصيبي مدرسة الشاطو دان بشلفوم العيد ........................................ كيف التحقت بصفوف المجاهدين في ثورة التحرير؟ وكيف تم تعيينك على رأس خلية الثورة ؟ كان التحاقي في سنة 1955 بعد ان اتصلت بسي مصطفى بوغابة وسي إبراهيم مزهود لأعرف رأيهما بالنسبة للثورة ووقع الاتفاق على الالتحاق بالثوار حينا غير أن سي مصطفى طلب مني ان انتظر حتى يتصل بي وتم الاتصال في الوقت الذي تقابل فيه فريق قسنطينة لكرة القدم وفريق تونس في الملعب الرياضي بقسنطينة حيث قال لي : لقد اتفق أعضاء الولاية على تعييني على رأس خلية الثورة التي اختار أعضاءها بنفسي والتي تتحمل المسؤولية ما بين قسنطينة وسطيف واخترت من الأعضاء : الشريف بن مهيدي ابن عم العربي بن مهيدي ومعلم اللغة الفرنسية والشيخ عبد الحميد بحري وكان معلما بالمدرسة التي أديرها لان النظام المتبع في ذلك الوقت هو الذي يفرض هذا العدد الرئيس يختار اثنين وكل واحد من الاثنين يختار اثنين . ماهو أهم حادث بقي راسخ في ذهنك ؟ هناك العديد من المخاطر والأحداث الخطيرة التي عشناها- أثناء الثورة التحريرية كانت الأعمال تسير بسرية تامة وكان تعاملي مع الولاية مباشرة مع الشهيد زيغود يوسف وفي سنة 1956 وقعت حادثة مهولة حيث أن المجاهدين قرروا الهجوم على المحتلين بالعيد الوطني الفرنساوي وكان الاحتفال تجري وقائعه في ساحة بين المدرسة وبين مخمرة كبيرة وكان الهجوم مفاجئا سقط فيه الكثير من القتلى رجالا ونساء جنودا ومدنيين وكان الذي يقود المجاهدين هو السي موسى مفلاوي وقد أصيب في يده عندما قفز على سياج غير انه لم يعط لهذا الجرح ما يستحقه فخرج في الصبح وشاهده البوليس الفرنسي ويده ملفوفة فقرروا إلقاء القبض عليه ليلا غير أن شابا من القبائل الكبرى كان يعمل دركيا في الدرك الفرنسي اخبرني بان الجيش الفرنسي قرر القبض على السي موسى مفلاوي وعلينا أن نرحله في الحين فذهبت على الفور إلى مقهى كانت تقع في باب السوق شلغوم العيد فلم أجد أحدا إلا الشيخ عبد الحميد حيرش كان قد أطلق صراحه من طرف الجيش الفرنساوي منذ يومين او ثلاثة فقط فطلبت منه نقل سي موسى حينا إلى ضيعة السي الحسين بن العولمي لان مركز الثورة موجود عنده فاعتذر لي لأمرين 1- لان لباسه ربما يجلب له ولمن يحمله معه الضرر2- لأنه ما زال متبوعا من طرف الجيش الفرنسي فاحترت ماذا اعمل ؟ وتوجهت نحو الطريق المؤدي إلى فرجيوة وإذا بي أرى سيارة تلتهم الطريق التهاما والغبار يتطاير من جميع الجهات فتسمرت في مكاني انتظر من سيكون صاحبها وإذا بي أرى رجلا ضخما جدا انه " سي خلاف الضابط العسكري المعطوب في الحرب الفرنسية وصدره ممتلئ بالينا شيم وكان الناس يقولون فيه أشياء كثيرة غير أن الضرورة أنستني ما كان قد قيل ويقال وتقدمت منه فرحب بي باعتباري مدير مدرسة جمعية العلماء المسلمين وواعظا ومرشدا في مسجد الشيخ بن ايدير احد الأغنياء الكبار فلما سلمت عليه قال لي : يبدو لي انك في حاجة إلي : قلت نعم فقال لي : اطلب ما شئت فقلت له أن هذه المسالة تحتاج إلى رجولة فثار وغضب وقال لي : وماذا تظن بي لقد قالوا بأنني خائن اطلب ما شئت لتتأكد بنفسك بطالة التهمة فقلت له القصة فقال لي : أين هو : قلت انه في بيته فقال لي ائت به في ظل الأبنية فلما جئت به قال لي بعد حين سيكون في ضيفة سي الحسين .وهكذا وبعد دقائق معلومة رأيت السيارة تعود والغبار يتطاير ثم قالي لي اطمئن على صاحبك لقد تركه يحتسي القهوة مع الجماعة. -لماذا المجاهد سليمان بشنون بعيد عن الأضواء وغير معروف من قبل الشعب ؟ فضل المجاهد الصمت وعدم الإجابة ............................................ - ماذا تقول للشباب الجزائري والجزائر؟ الاستقلال مكسب عظيم قامت الثورة من اجله وقدم الجزائريون الضحايا المختلفة من اجل تحرير الجزائر من براثين الاستعمار الفرنسي وهذا المكسب إن ظل بلا محتوى ولا مدلول فان الواجب الوطني يحتم على الجميع المحافظة عليه والدفاع عنه والمطالبة بإعطائه المضمون الحقيقي والواسع الذي استشهد من اجله مليون ونصف المليون من خيرة الجزائريين . أهم أعمال ومميزات المجاهد سليمان بشنون -كان له الاتصال المباشر مع زيغود يوسف -يعتبر من أهم أعضاء المحكمة الثورية -كان له الفضل الكبير بالدرجة الأولى في دمج المعلمين الأحرار في المؤسسات التربية حوالي 2200 معلم تم دمجه تلك الفترة -عرضت عليه مسؤوليات عديدة وهامة ورفض -اشترى بيته بماله الخاص ب 2500 الف - لا يحب الظهور ويحب الجزائر بعض مؤلفات المجاهد والكاتب سليمان بشنون -1 الإصلاح والصلاح -2 الأخلاق النبوية مدرسة للتربية والأخلاق 3-تأملات في السيرة النبوية أما الكتب التي هي تحت الطباعة منها 1- الأزمة الجزائرية جذورها وأبعادها , 2- الجذور الشعبية في الحركة الإصلاحية أما القصص منها الأطلال المهجورة المزالق. تقلد عدة مناصب هامة منها مستشار وزير الشؤون الدينية كان كاتب في جريدة البصائر وجريدة الجيش