التعليم ما قبل الاصلاح عرفت البرامج المدرسية عديد التعديلات منذ سنة 1962 أما الدافع لتلك التعديلات خلال السنوات الأولى التي تلت الاستقلال فكان لاعتبارات ذات طابع اجتماعي و سياسي التي اقتصرت على مضامين بعض التخصصات التي اعتبرت إستراتيجية على غرار التاريخ والجغرافيا والفلسفة والتربية المدنية والأخلاقية والدينية فضلا عن استحداث وإدخال برامج للغة العربية. عرفت سنوات ال70 وأعوام ال80 عديد المحاولات والتجارب في ميدان إعداد البرامج و بدأت رؤية جديدة تتبلور داخل المؤسسة التربوية من اجل الأخذ بالحسبان المحيط الوطني والانشغالات المرتبطة بالتقدم العلمي والتقني مع إعطاء الأولوية لتطوير القدرات الفردية للتلاميذ وذكائهم عوض تركيز التعليم على تكديس المعلومات. فإذا كانت التطلعات والرؤى في حد ذاتها جد معتبرة إلا أن عملية تجسيدها وتطبيقها عانت صعوبات عدة كانت وراء غياب الانسجام الداخلي والخارجي لبرامج التعليم لم تتمكن بعض التعديلات المحتشمة من تقويمها. وقد نتج عن ذلك اكتظاظ للبرامج والساعات وأحيانا تكون المضامين غير متماشية مع تطور المحيط الاجتماعي والاقتصادي وتقدم العلوم والتكنولوجيا. وانطلاقا من ذلك فان أولى الإجراءات التي قامت بها وزارة التربية الوطنية في هذا المجال كان الاستثمار في إعداد نظام مستديم للإعداد والموافقة وتهيئة برامج ومناهج التعليم.
بوتفليقة ينصب لجنة لإصلاح المنظومة التربوية بادر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة منذ انتخابه عام 2000 بتنصيب لجنة وطنية لإصلاح المنظومة التربوية وتتكون هذه الأخيرة من 157 عضوا كلفت بإعداد تشخيص ذي مصداقية وموضوعي ومتكامل للمنظومة التربوية من اجل اقتراح مشروع يتضمن عناصر مكونة لسياسة تربوية جديدة في إطار مسعى شامل مدمج ومنسجم. وقد شكل تقرير هذه اللجنة مشروع دراسة معمقة من قبل السلطات وعقدت خمس اجتماعات لمجلس الوزراء لدراسة هذا الملف الهام. أما الإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء في 30 افريل 2002 فتتعلق أساسا بثلاثة محاور ويتعلق الأمر بإصلاح التعليم البيداغوجي والمجالات التربوية ووضع نظام مجدد للتكوين وتحسين التأطير البيداغوجي والإداري وأخيرا إعادة التنظيم العام للمنظومة التربوية. وبالتالي، قامت وزارة التربية الوطنية بفتح عدد هام من الورشات ترمي إلى تجسيد القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء في اقرب الآجال ويرى المختصون في عالم التربية أن إنجازات تلك الإصلاحات تؤكد في المقام الأول على الإرادة المعلنة من قبل الدولة في أن التربية والتكوين كما هو الشأن بالنسبة للعدالة وإصلاح مهام وهياكل الدولة تشكل إحدى الأولويات الهامة بما أنها تكتسي أهمية جوهرية في تكوين مورد بشري وطني يفيد الأمة الجزائرية من إيجابيات التربية والتكوين الذي يعد شرطا أساسيا للتنمية.
الانجاز الثاني تكوين نوعي للتلاميذ أما الثاني فيكمن في الحرص الدائم لمسؤولي قطاع التربية على ضمان تكوين نوعي للتلاميذ وتحسين نتائجهم المدرسية والرفع من فعالية المدارس. ولذلك فان أهم الملفات التي بادر بها قطاع التربية الوطنية نابعة من الإرادة السياسية في عصرنه النظام التربوي والتكويني والسمو به إلى مصاف المقاييس الدولية.
الانجاز الثالث إرادة سياسية في تحديث مجموع النظام التربوي أما الإنجاز الثالث فصادر عن الإرادة السياسية في تحديث مجموع النظام التربوي من حيث مضامينه البيداغوجية ومناهجه التعليمية وذلك من اجل تقليص الهوة الرقمية بين الجزائر والأمم المتطورة كما أن تلك الإرادة واضحة من حيث الإمكانيات الهائلة المخصصة من اجل تجهيز المؤسسات المدرسية بشتى مستوياتها بوسائل الإعلام الآلي وكذا عبر تعزيز تعليم العلوم والرياضيات والتكنولوجيا. وفي إطار المسعى الجديد المتخذ لإعداد برامج جديدة حرص أصحاب المشروع على أن تكون الوسائل التكنولوجية الجديدة قادرة على تكون منطلقا لتعليم الاختصاص المعني وإنما أيضا لجميع التخصصات المدرجة في المدونة العامة لبرامج التعليم مما يعطي الأولوية لاستعمال التنكولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال في مسارات التعليم.
الانجاز الرابع إحداث قطيعة مع الممارسات القديمة أما الإنجاز الرابع فقد نص على أن تجسيد هذا الإصلاح يجب أن يسمح بإحداث قطيعة مع الممارسات القديمة المستعملة في الميدان البيداغوجي مع السهر على الحفاظ وتعزيز بعض الجوانب التي تنتمي إلى البنية الثقافية للشخصية الجزائرية.
الانجاز الخامس وقف الاحتكار العمومي لقطاع التربية والتعليم ويتضمن الإنجاز الخامس وقف الاحتكار العمومي لقطاع التربية والتعليم الذي يعود إلى ال16 افريل 1976 تاركا حرية العمل في المجال في ظل احترام أحكام الأمر رقم 05-07 المؤرخ في 18 أوت 2005 المحدد للقواعد التي تسير التعليم في المؤسسات الخاصة. لقد وضعت الجزائر بشكل متواصل ومنذ الاستقلال تعليم أبنائها ضمن انشغالاتها الأولوية وخصصت حصة هامة من إمكانياتها وثروتها الوطنية لتطوير قطاع التربية الوطنية الذي يعتبر أولويا. للإشارة أن العدد الإجمالي للتلاميذ ارتفع بعشرة أضعاف منذ سنة 1962 ليبلغ أكثر من 8 ملايين تلميذ عند الدخول المدرسي 2011-2012 وذلك يعني أن ربع السكان الجزائريين الحاليين متمدرسين. ويعد تطور نسبة تمدرس الأطفال البالغين من العمر ست سنوات والتي تقدر حاليا بأكثر من 97 بالمائة (فيما كانت تقدر ب43 بالمائة سنة 1966) مؤشرا للنتائج المحققة في مجال التمدرس خاصة إذا اعتبرنا أن هذا التطور كان مرفوقا بتمديد مدة التمدرس الإجباري من ست سنوات إلى تسع سنوات من جهة وانه خلال نفس الفترة تجاوزت نسبة نمو السكان الجزائريين 3.2 بالمائة. كما أن الجزائر التي كرست في نفس الوقت مبدأ مجانية التعليم للجميع تقود خيار تعريب التعليم وجزأرة التأطير على كل المستويات مما سمح للبلاد باسترجاع وترقية لغتها وثقافتها بما يتطابق مع قيمها وحضاراتها. وقد تعثر التطور النوعي للتربية المحقق في سياق يتميز في نفس الوقت بانفجار ديمغرافي وخيار مشروع تربوي ديمغرافي بسبب نقائص واختلالات مست نوعية التعليم المقدم وكذا مردود المنظومة في مجملها الشيء الذي كاد يحد من بعد النتائج والمكاسب المحققة بفضل تضحيات جسام قدمتها البلاد. وقد أضحى إدخال إصلاح واسع النطاق على المنظومة التربوية بالتالي ضروريا سواء بسبب واقع المدرسة الجزائرية أو بسبب التحولات التي طرأت على الصعيدين الوطني والدولي. وقد كان بالتالي مشروعا أن تشكل إعادة بناء المسار التربوي في سياق إصلاح واسع النطاق مثل ذلك الذي طبقته الجزائر فعلا ابتداء من سنة 2002 المحور الأساسي والعنصر المحرك لكل الأعمال التي تمت مباشرتها منذ ذلك الوقت في مختلف مكونات المنظومة التربوية. وعليه فان البرامج الثرية والمتوازنة والعصرية التي تستمد أسسها من قيم المجتمع وتدمج الاكتشافات الحديثة للعلوم والتكنولوجيا كفيلة وحدها بان تجعل من المدرسة فضاء للتعلم حيث تلقن المعارف اللازمة والمواتية ومن إعادة بناء المسار التربوي المحرك الحقيقي للتغيير. وذلك يفرض أن تكون طرق التعليم ووسائلها وخاصة الكتاب المدرسي مطابقة للحاجيات ووتيرات تعليم التلاميذ و مدمجة أيضا لكل ما يمكن أن تمنحه تكنولوجيات الإعلام و الاتصال الحديثة تقديمه إلى العمل و المساعي التربوية.
أربع عوامل أساسية ساهمت في تحسين المنظومة التربوية كما أكد مسؤولو قطاع التربية الوطنية أن أربعة عوامل أساسية ساهمت في تحسين نتائج المنظومة التربوية الجزائرية انطلاقا من مراجعة النظام التربوي حيث تم انجاز ما لا يقل عن 189 برنامجا جديدا منذ بداية الإصلاحات. كما أن الأمر يتعلق أيضا ب"تحسين نوعية التأطير التربوي" بالنسبة لأساتذة الطورين الابتدائي والمتوسط الذي تم رفع المستوى الأكاديمي المطلوب إلى شهادة الليسانس والذي سيبلغ عددهم 214.000 سنة 2015. كما ساهم بناء المنشآت وإشراك الأولياء كشركاء أساسيين بدورهم في تحسين نتائج المنظومة التربوية الوطنية.