تنامت مؤخرا ظاهرة الطلاق في بلادنا بشكل ملفت للانتباه إذ باتت محاكم الأحوال الشخصية تعج بدعاوى التطليق ومن الطرفين، فالانفصال مطلبهم الوحيد غير آبهين بأطراف أخرى قد تكون الضحية الأكبر إذا ما حصل الطلاق، هي إذن فئة أطفال الطلاق أو ضحايا الطلاق كما يحلو للكثيرين تسميتهم، ممن شاء القدر أن يعيشوا بعيدا عن كنف الأسرة الواحدة وحنان الوالدين، إذ سمي أبغض الحلال إلى الله لما له من تبعات كثيرة تلحق بالطفل بدرجة أكبر، فهو أكثر المتضررين من الانفصال، فمع حدوث الطلاق يتشتت الأطفال بين أم تولى إليها الحضانة في الغالب وأب لا يكاد يراهم حتى في الزيارات الأسبوعية، لتقع المسئولية كاملة على الزوجة التي تتدبر أمورها، وتضطر في غالب الأحيان إلى العمل أو حتى التسول لإعالة أطفالها حيث أن المنحة الشهرية التي يقدمها الوالد لطليقته والتي لا تتعدى 4000 دينار في غالب الأحيان لا تكفي حتى للضروريات،على حد تعبير الكثير من المطلقات مراهق يقضي 6 أشهر حبسا عن قضية أخلاقية يعيش الطفل أسامة رفقة والدته بعد انفصالهما وهو لم يتعدى عامه الثاني، اضطرت الوالدة للعمل كمنظفة في إحدى الشركات الخاصة لتأمين مصاريف طفلها التي تزداد يوما بعد آخر، أسامة الذي لم يكن له سوى والدته التي تعيش في بيت مستأجر تسدد حقه بنفسها بعد عزوف طليقها عن تأمين بيت لهما، ارتأى دخول عالم الشغل من بابه الواسع تاركا مقاعد الدراسة وهو لم يجاوز مرحلتها الإكمالية ويقول أسامة أنه كان يحب الدراسة وكان من المتفوقين إلا أنه أشفق على حالة والدته التي تعمل كمنظفة في الشركة ومنظفة في البيوت كعمل إضافي حتى تتمكن من تأمين مصاريفه ، ما جعلني –يقول- أفكر في التوقف عن الدراسة لولوج عالم الشغل أين تعرفت على رفاق يملكون طاولات لبيع الخضر والفواكه في سوق شعبي عملت معهم كبائع تارة و عامل في أشغال البناء تارة أخرى، و-يضيف- أنه من الصعب جدا أن تتحمل المسئولية و أنت في سن 13 من العمر، أمام غياب والد يحرص على مستقبلك طفله ويوجهك إلى طريق الصواب ، أسامة اليوم وهو ابن الثامن عشر لم يرحمه الشارع إذ بات يخالط شلة من المنحرفين أين تعلم فنون الانحراف، وفي خرجة أخيرة بعيدا عن السرقة تعرف أسامة على فتاة في مثل عمره أين ضبط من قبل مصالح الضبطية القضائية وهو في وضعية مخلة بالحياء أين تم اقتياده إلى مركز الشرطة والتحقيق معه لتوجه له تهمة إبعاد قاصر من بيتها، أين حكم عليه بعقوبة 6 أشهر نافذة وهو اليوم يستكمل العقوبة وسط دموع والدة بقيت تعاني الأمرين بعيدا عن فلذة كبدها المحبوس.
اختارت الشارع ودخول عالم الرذيلة من بابه الواسع هروبا من قسوة زوجة أبيها فإذا كان الطفل الذي يعيش في كنف أمه مهما كانت الظروف المادية إلا أنه يحضى بحنان أم لا تتوقف تضحياتها إلا وطفلها مرتاح، حالة سهيلة أكثر مرارة أين كانت تعيش رفقة أبويها إلى أن قررا الانفصال لتبقى مدة ما يزيد عن 6 أشهر مع والدتها، التي قررت بعدها الزواج، أين رجعت الحضانة إلى الوالد الذي كان هو الآخر قد تزوج، و أصبحت الطفلة مثل الخادمة عند زوجة أبيها ولم تحس يوما أنها في بيت والدها الذي كان يعمل خارج الولاية، ما جعل زوجة والدها تستغل ذلك، وتقول محدثتنا أنها لم تكن تلقى المعاملة الحسنة حتى من والدها الذي كان يفضل إخوتها من الزوجة الثانية عليها، إلى أن جاءت القطرة التي أفاضت الكأس تقول سهيلة أين كانت ساعتها في السابع عشر من عمرها، تعرضت لضرب مبرح من طرف زوجة والدها التي لم ترحمها ولم تشفق عليها بسبب خلاف بينها وبين أختها الصغرى التي كانت تبكي لأتفه الأسباب، فلم يكن أمام سهيلة إلى مغادرة البيت أين لجأت ساعتها إلى الشارع الذي لم يرحمها، سهيلة المنحدرة من ولاية تيسمسيلت والتي دخلت الرذيلة من بابها الواسع معرضة نفسها لشتى الأخطار بالمبيت خارجا و ممارسة مختلف أنواع الفسق و الرذيلة.
طفل يصاب بإعاقة و أخوه بالتوحد بعد طلاق الأبوين مأساة أخرى بطلها 3 أطفال ووالدتهم حيث بدأت معاناتهم يوم طلاق الأبوين أين أعاد الوالد الزواج من أخرى تاركا للأربعة غرفة واحدة وسط عائلته الكبيرة، وسط معاناة غير منتهية، حيث اضطرت الوالدة إلى تدبر عمل لإعالة أولادها لتواجه برفض شديد من أهل زوجها تحدتهم وعملت حتى لا تضطر لسؤال أحد منهم، إلا أن معاناتها تضاعفت بعد تعرض أطفالها الواحد تلو الآخر إلى أمراض كان أولهم كبيرهم الذي أصيب بإعاقة مفاجئة على مستوى الرجلين تحت تأثير صدمة انفصال والديه والشجارات الكثيرة التي كانت تنشب بينهما قبل الطلاق، فيما أصيب الطفل الثاني بمرض التوحد أين صار شديد الانزواء ويظهر سلوكات عدوانية تجاه الكثيرين، أما الطفل الثالث فأصيب بروماتيزم شديد من جراء الظروف التي تعيش فيها العائلة والتي لا تتعدى أمتارا قليلة في رطوبة عالية أشبه بالقبو.
باحثون في شؤون الطفل يؤكدون "غياب الرقابة الأبوية تجر إلى الانحراف" باحثون في شئون الطفل يؤكدون أن انفصال الوالدين يشكل نقطة تغيير كبيرة في حياة الطفل، الذي كان يحضى برعاية خاصة من والديه ليجد نفسه مشتت بين حضنين بعيدين عن بعضيهما، ويضيفون أن الطفل ساعتها يتعرض لعزلة كبيرة عن أقرانهن كما أن الطفل يحس بعدم الاستقرار ونقص الأمان ونقص الضابط والموجه في العملية التربوية وهو الوالد يترك للطفل خيار الشارع الذي يعلمه كل فنون الانحراف فقد يخلق منه مجرما سيما إذا كان الطفل في بداية مرحلة المراهقة وهي أصعب المراحل في حياته، كما يكون في غالب الأحيان الطلاق حلا نهائيا بين الزوجين أين تصل حياتهما مع بعض إلى طريق مسدود فلا يكاد أحدهما يرى الآخر بعد الطلاق ،ويلوم على الأمهات بصفة خاصة واللاتي غالبا ما ترجع الحضانة إليهن، حيث يقولان بعض الأمهات يجهلن عواقب ما يقمن به من غرس لسلوكيات الحقد في أطفالهن تجاه الوالد ويجعلون ذلك الحقد والكراهية ينمو مع الطفل ويشكل له سلوكيات العدوانية والكراهية للجميع .
"عقد نفسية تكبر مع الطفل وتخلق سلوكيات مضطربة " ومن جهتهم يؤكد ون مختصين في علم النفس أن الأضرار النفسية على الطفل الذي انفصل والداه يزيد وقعها كلما تقدم في السن فكلما كبر يكون بحاجة أكثر إلى وجود محيط أسري يحس فيه بالأمان والاستقرار وتفريغ مكنوناته، أما إذا كبر الطفل وسط غياب ذلك الدفء العائلي فإنه يدخل في سلسلة من الصراعات الداخلية التي تتطور إلى سلوكيات مضطربة تؤثر على نموه الفكري السليم، من خلال مقارنة نفسه بأقرانه الذين يحضون برعاية سليمة وسط عائلاتهم الأمر الذي يولد لديه سلوكيات الغيرة والحقد وحتى الكراهية التي قد تتطور إلى أشياء أخرى تصل حد الانحراف بحثا عن النقص الذي سجله غياب الوالدين والمحيط العائلي.